مشاركتي في ندوة لندن لتأبين الرفيق أحمد الشملان

أحمد الشملان الذي أعرف

بعد السلام عليكم وعلى متابعي هذه الندوة أشكركم على دعوتي للمشاركة في تأبين الرفيق العزيز أحمد الشملان.

أجدُ نفسي الآن، مثل كثيرين ممن عرفوا الرفيق الراحل وتعرفوا على جوانبٍ متعددة من نشاطه الثقافي والسياسي أو ممن شاركوه في مرحلة من مراحل نضاله الوطني، أجدُ نفسي على وشك تكرار الإشادة بشمائله الكثيرة. وهي إشادة يستحق أحمد الشملان أن نتذكرها وأن نكررها. إلا إنني سأكتفي في هذه الأمسية بالحديث عمّا أعتبره خطاً مستمراً وثابتاً في مسيرته النضالية.

لقد كان أحمد الشملان جريئاً حين يتردد آخرون وكان شجاعاً حين يجبن آخرون. ولقد شهدنا شيئاً من علامات تلك الشجاعة والجرأة في بداية إنتفاضة التسعينيات وفي مختلف تعرجاتها. فهو لم يتردد في مواجهة المتقاعسين من رفاقه الذين أطلقوا التحذيرات مما إعتبروه مخاطر التعامل مع التيارات السياسية الدينية. رفع أولئك الرفاق الشعارات البرّاقة والجمل الثورية لتبرير تقاعسهم في حالات، وفي حالات أخرى لتبرير إنحيازهم إلى المعسكر الموالي للسلطة.

تجدر الإشارة هنا إلى أن إستخدام الشعارات البرّاقة لتبرير التقاعس أو لتبرير الإنحياز للمعسكر الموالي للسلطة لم يكن إحنكاراً لدى بعض اليساريين. بل رأينا المتقاعسين من حملة الرايات الدينية الذين كانوا يبررون تقاعسهم وعدم مشاركتهم في أنشطة الإنتفاضة بحجة أن التعاون مع اليساريين رجسٌ من عمل الشيطان.

وعلى الرغم من إختلاف منطلقات المتقاعسين من االجانبيْن إلا أنهم توصلوا إلى مواقف متشابهة في إنحيازها إلى السلطة تدين الإنتفاضة والمشاركين فيها بدلاً من إدانة السلطة وقمعها .

بهمَّة المخلصين والمخلصات من مختلف التوجهات والتيارات وبتلاحمهم فشلت جهود أصحاب تلك الشعارات، في الجانبين، في إحباط إندلاع إنتفاضة التسعينات وإيقاف إستمرارها وتصاعدها حتى أوصلت السلطة إلى طريق مسدود لم تجد لها مخرجاً منه سوى عبر خديعة “المشروع الإصلاحي”.

لقد فشلت تلك المحاولات من الجانبيْن المتقاعسيْن لأن النخبة التي تصدّت لقيادة إنتفاضة التسعينات عملت وكأنها تعتبر تلك الإنتفاضة إستكمالاً لمسيرة هيئة الإتحاد الوطني التي وحدّت مختلف فئات الشعب المتضررة من الإستبداد القبلي والهيمنة الأجنبية .

لقد قام أحمد الشملان بواجبه الوطني ضمن نخبة مناضلة من خيرة بنات وأبناء البحرين واجهوا وهُم في مقدمة الصفوف، قمع السلطة ومحاولاتها تشتيت الصفوف وحرْف الأنظار وتيئيس الناس وإلهائهم.

إسمحوا لي وقبل أنهي هذه الكلمة التأبينية في ذكرى رفيقي أحمد الشملان لابد لي أن أذكر بكل مشاعر الإعتزاز والتقدير رفاقه في مختلف فترات نضاله من أجل أن تتحرر البحرين، الوطنُ المكبَّل كما كان يسميها.

14يوليو 2023

أول مجموعة من المعتقلين السياسيين بعد إعلان مرسوم امن الدولة في ٢٢ اكتوبر ١٩٧٤

بعد رحيل ثلاثة رفاق آخرهم أحمد الشملان في ٢٣ يونيو ٢٠٢٣ وقبله يوسف العجاجي (٢٤ يوليو ٢٠٢١) وأحمد الذوادي (٨ يوليو ٢٠٠٦) يبقى إثنان

من تاريخ اليسار في بلدان الخليج العربي: مسيرة جبهة التحرير الوطني البحرانية لإستكمال الإعتراف بها كحزبٍ شيوعي

  قبل ثمان وأربعين  سنة إجتمع ممثلو الأحزاب الشيوعية والعمالية العربية. في بيروت في أوائل نيسان/أبريل 1975.   وكان من بين المشاركين لأول مرة ممثلُ جبهة التحرير الوطني البحرانية. في ختام ذلك الإجتماع نُشِربيان الأحزاب الشيوعية والعمالية العربية حول الأوضاع الراهنة” (الاخبار، العدد ١٠٧٩/١١٣ بتاريخ 5/4/1975) ا

كان ذلك الإجتماع حدثاً مهماً في تاريخ جبهة التحريرالوطني البحرانية. فرغم مرور ما يقرب من عشرين سنة على تأسيسها، ورغم إن علاقات رفاقية، بهذا القدرأو ذاك، تربطها بأحزاب شيوعية عربية أخرى  وخاصة الأحزاب الشيوعية في العراق وسوريا ولبنان إلا إنها بقيت غير منتظمة ويغلب عليها الطابع الشخصي وخارج الأطر الجماعية للأحزاب الشيوعية العربية

دشَّنت مشاركة الجبهة  في  إجتماع بيروت مشاركاتها التلية في جميع اللقاءات الدورية التي عقدتها فيما بعد الأحزاب الشيوعية العربية.  فلقد كانت تلك المشاركة مثابة إعتراف جماعي بدور الجبهة ونضالها كفصيل شيوعي عربي.  ففي ربيع 1975 كان يحق لجبهة التحرير الوطني البحرانية أن تفاخر بأنها الفصيل الشيوعي الوحيد في المنطقة العربية الذي لديه منذ السابع من ديسمبر/كانون أول 1973 أعضاء منتخبون ضمن كتلة نيابية ذات تأثير في برلمان بلادها وبأنها، أي الجبهة، تقود آنذاك حركة نقابية نشطة وواعدة

من جانب آخر، كانت لذلك الإجتماع في بيروت أهمية إضافية في تاريخ الجبهة. فلقد فتحإعترافالأحزاب الشيوعية العربية بالجبهة الطريق أمامها للتواصل مع  عدد كبير من الأحزاب المنضوية في الحركة الشيوعية والعمالية العالمية، وفي مقدمة هذه الحركة الأحزاب الحاكمة في الإتحاد السوفياتي وبقية البلدان الإشتراكية

.سعت جهود التواصل في السنوات التالية إلى نقل علاقتها تلك الأحزاب والدول بالجبهة  من مستوى العلاقة بفصيلٍ من فصائل حركة التحرر الوطني إلى علاقة بحزب شيوعي شقيق. والفرق بين الإثنين شاسعٌ معنوياً ومادياً.  فعلاقات الأحزاب الحاكمة في الإتحاد السوفياتي وبلدان المنظومة الإشتراكية مع حركات التحرر الوطني تتولاها أساساً لجان التضامن الآسيوي الأفريقي ولجان الصداقة مع الشعوب.  بينما تتولى أجهزة الحزب الشيوعي نفسه إدارة العلاقة مع الأحزاب الشيوعية المعترف بها.  والفرق هائل بين صلاحيات لجان التضامن ولجان الصداقة وبين صلاحيات أجهزة الحزب الحاكم.

بعد إجتماع بيروت في أبريل/نيسان ١٩٧٥ بعشر سنوات وبفضل جهود الكثيرين من الرفاق والرفيقات وبدعم الأحزاب العربية الشقيقة  طيلة تلك السنوات  أصبحت جبهة التحريررسميافي منتصف الثمانينيات جزءً من الحركة الشيوعية العالمية. أي بعد أن إستوفت الإشتراطات المقررة.  وكان من بين تلك الإشتراطات أن يكون للتنظيم برنامج بمواصفات معينة ويتم إقراره في مؤتمر حزبي. ومن بينها أيضاً أن يعقد التنظيم مؤتمرات دورية تتولى إنتخاب الهيئات الحزبية بما فيها الأمين العام و واللجنة المركزية والمكتب السياسي . وهذه كلها وغيرها من الإشتراطات لم تستطع الجبهة إستكمالها حتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي.  لم يكن ممكناً ولا مطروحاً إختراع  أمين عام أو كتابة برنامج سياسي بالمستوى المطلوب وغير ذلك بيين ليلة وضحاها.  بل كان  ذلك كله يتطلب عملاً دؤوباً وصبورا ونقاشاً يربط المنفى بالوطن من جهة ويلتزم بالأعراف المعتمدة في الحركة الشيوعية العالمية  

وكانت من نتائج الإعتراف الرسمي بالجبهة كفصيل في الحركة الشيوعية العالمية هو بدء العلاقة المباشرة مغ جميع الأحزاب الشيوعية الحاكمة وغير الحاكمة وكذلك العلاقة غير المباشرة بها عن طريق إعتماد مندوب للجبهة في هيئة تحرير مجلة قضايا السلم والإشتراكيةالتي مقرها في براغ (تشيكوسلوفاكيا آنذاك) ا“. 

و في ذات الفترة الزمنية وعلى المستوى الداخلي، وهو الأهم لأي تنظيم سياسي، فلقد أدت الضربات الأمنية  القاسية والمتتالية التي تعرضت لها خلايا الجبهة في البحرين إلى جمود العمل التنظيمي بل وإلى تخلي قياديين وكوادر أساسية في الجبهة عن مواقعهم ومسئولياتهم.  ساهم ذلك في الكارثة التنظيمية التي حلَّت بالجبهة في صيف 1986 وكان أحد أكثر علاماتها إيلاماً هو إستشهاد الرفيق الدكتور هاشم إسماعيل العلوي  (وهذا موضوع له تشعبات لا بدّ من مناقشتها بروية  في مناسبة أخرى). أما فيما يتعلق بعضوية مندوب الجبهة في هيئة تحرير مجلةقضايا السلم والإشتراكيةفي براغ فهي لم تدم طويلاً بل جرفها التسونامي التاريخي الذي سبّبه إنهيار الإتحاد السوفياتي

في ذكرى السادس من نوفمبر 1956

 

في السادس شهر نوفمبر تمرُّ الذكرى السادسة والستين لإعتقال قادة هيئة الإتحاد الوطني التي قادت الحركة الشعبية المطالبة بإنهاء الهيمنة البريطانية على البلاد وتأسيس مجلس تشريعي منتخب.  وفي المحاكمات  الصورية التي أدت إلى صدورأحكام مشددة بالنفي والسجن بعد توجيه التهم الملفقة ضدهم بما فيها التخطيط لإغتيال الحاكم والتحريض على الإحتجاجات الشعبية التي شهدتها البحرين ضد العدوان الثلاثي ضد مصر  في 1956.

ونحن إذ نتذكر  بإعتزاز جهود وتضحيات الأجيال التي سبقتنا  نتذكر أيضاً أن قمع العائلة الحاكمة لكل حراك وطني لم يتغير في جوهره بل إزداد شراسة.  فلقد أصبح السجنُ والنفي ونزع الجنسية وقطع الأرزاق والحرمان من الحقوق المدنية علاوة على التعذيب المفضي إلى الموت من أكثر الأساليب التي تعتمدها السلطة في تعاملها مع المعارضة.  ففي سجون السلطة يقبع الآن المئات من خيرة نشطاء المعارضة ورموزها بعد محاكمات جائرة أصدرت أحكاماً مشددة بما فيها الإعدام والسجن المؤبد على العشرات منهم.  وفي المنافي الآن المئات من المواطنين والمواطنات الذين نُزعت جنسياتهم البحرينية عنهم أو الذين أُضطروا لمغادرة البلاد تفادياً لقمع السلطة.

بعد 66 سنة على قمع هيئة الإتحاد الوطني وإعتقال قادتها ونفي العديد منهم مازالت تتعاظم إنتهاكات العائلة الحاكمة وأجهزتها لحقوق الإنسان في البحرين وتتعدد محاولاتها لتجميل صورتها والظهور بمظهر الدولة الحديثة. فهي تقوم في هذه الأيام  بتنظيم ما تسميه إنتخابات لمجلس نيابي لا يملك صلاحيات التشريع ولا مراقبة السلطة ومحاسبتها. بل إن العائلة الحاكمة، عبر أوامر العزل السياسي، هي التي تقرر من يحق له أن يترشح ومن يحق له أن ينتخب.    

وبعد 66 سنة على قمع هيئة الإتحاد الوطني ما تزال إرادة شعبنا في التغيير صامدة.  ويشهد تاريخ الإنتفاضات الشعبية المتعاقبة على إختلاف واجهاتها على تعاظم الرفض الشعبي لإستمرار هذا النظام السياسي الذي أسسه المستعمر البريطاني والذي تحتكر فيه العائلة الحاكمة وحدها موارد الدولة وأدوات السلطة فيها.

إننا إذ نتذكر تضحيات قادة هيئة الإتحاد الوطني ونترحم على شهدائها، وإذ نتذكر في الوقت نفسه تضحيات قادة ونشطاء الإنتفاضات المتعاقبة قبل الهيئة وبعدها ونترحم على شهدائها فإننا نؤكد على إستمرار مسيرة النضال بجميع الوسائل السلمية لتحقيق آمال شعبنا في إقامة دولة حديثة وديمقراطية تحقق الأمن والرفاهية والمساواة الفعلية لجميع المواطنين.

16/3/1992

‏في مثل هذا اليوم قبل ثلاثين سنة (١٦ مارس١٩٩٢) منعتني السلطة الخليفية من دخول ⁧‫#البحرين‬⁩ و أبعدتني

مرة ثانية من البلاد بعد إحتجاز وجلسات تحقيق لعدة ساعات في إحدى زنازن الأمن في مطار البحرين

بعد فترة (في 28/4/1992) نشرتُ في جريدة القدس العربي الصادرة في لندن رسالة مفتوحة إلى حاكم البحرين وقتها عرضتُ فيه بعض ما تعرضتُ له من إجراءات جائرة وجلسات تحقيق غير مبررة على أيدي محققيْن بحرينييْن من التابعين لجهاز الأمن الذي كان يديره الضابط البريطاني إيان هندرسون ( المعروف بسفَاح البحرين). ورغم أن المحققيْن كانا يتحدثان معي بلهجة عربية بحرينية إلا إنهما كانا يتلوان الأسئلة من ورقة مكتوبة اللغة الإنجليزية

في باب اللعب على كل الحبال

:
‏أصدر تنظيمه بعذ أقل من إسبوعين من صدور مرسوم الدستور الملكي في ٢٠٠٢ بيان “وحدة إرادة الملك والشعب” دون التشاور مع أي طرف سياسي آخر…بل وبدون إستشارة أعضاء التنظيم نفسه.
‏عرفنا وقتها أن ثمن ذلك البيان المزري حصول قيادة التنظيم على مكرمات ملكية متعددة بمافيها

‏دخول بعضهم برلمان ٢٠٠٢.

‏تدور الأيام ليعلن الأمين العام الأسبق أن أطراف المعارضة (الأخرى) هي سبب تشطير المجتمع وإفشال بناء الدولة وهشاشة العمل الجماعي الوطني.

‏”العيب فيكم… وف حبايبكم” قال الأمين العام الأسبق متناسياً دور تنظيمه منذ ٢٠٠٢ في دعم السلطة الإستبدادية وإنتهاكاتها

‏هاكم البيان المزري الذي أصدرته قيادة المنبر التقدمي وجرى توزيعه في ٢٠٠٢/٣/١

‏⁦‪abdulhadikhalaf.wordpress.com/2010/11/16/‬⁩بيان-جمعية-المنبر-الديمقراطي-التقدمي/

شئٌ عن ماضٍ حاضر

مقال منشور في جريدة الوقت 421 بتاريخ 17 أبريل /نيسان 2007

شيء عن ماضٍ حاضر
عبدالهادي خلف

العدد 421 – الثلثاء 29 ربيع الأول 1428 هـ – 17 أبريل 2007

في صيف 1961 أعلن اتحاد الأندية الوطنية في البحرين عن حصوله على موافقة حكومة الجمهورية العراقية، في عهد الزعيم عبدالكريم قاسم، على توفير عددٍ من المنح الدراسية في المدارس والجامعات العراقية. وكان عدد المنح قليلاً ولا يتناسب مع عدد الطلبات التي انهالت على رئيس اتحاد الأندية الوطنية آنذاك، المرحوم حسين منديل، إلا أنه لطيب أخلاقه وحبه لبلده لم يكن يرفض أحداً، بل سعى لدى المسؤولين في الخارجية العراقية وعلى رأسهم المرحوم الدكتور محمود الداود الذي أَحبّ البحرين فبذل ما يستطيع من أجل الاستجابة لطلبات حسين منديل. هكذا ارتفع عدد المقبولين للدراسة في العراق في تلك السنة ليقارب ثلاثين طالباً وطالبة بحرينية.ا

.
كنتُ من المحظوظين الذين قُبلت طلباتهم. أقولُ من المحظوظين لأن غالبية من سافروا إلى العراق لم يكونوا قادرين على متابعة تعليمهم لولا تلك المنح الدراسية. نعم، كانت درجاتنا عالية، لكن من قال إن الدرجات وحدها معيارٌ يُعتمد عليه للحصول على منحة دراسية من وزارة المعارف البحرينية وقتها

.
كانت البحرين، كلها، أو على الأصح البحرين ‘’اللي تحت’’، ممثلة بين من حصلوا على المنح الدراسية العراقية. فمنهم من أتى من ‘’زرانيق’’ المنامة و’’دواعيس’’ المحرق ومن المناطق المهملة في جدحفص والحد والرفاع الشرقي. وكان بيننا من كان متديناً ومن كان ملحداً، وكان بيننا من قيل إنهم بعثيون أو شيوعيون أو قوميون وغير ذلك. لكننا، جميعاً، كنا نعرف أننا حصلنا على فرصة ما كنا لنحصل عليها لولا أن حسين منديل ورفاقه تابعوا مسيرة قادة الهيئة وتمسكوا بحلمها بدولةٍ غير التي حَرَمتنا من فرص التعليم العالي

.
قلتُ إنني لم أكن المحظوظ الوحيد حين سافرتُ إلى بغداد. فبجانب ما يتولد عن سطوة المتنفذين وما تسببه تقارير ‘’بوب’’ استناداً إلى تقارير مخبري جهاز المباحث من معوقات، فلقد كانت ظروف المعيشة والفقرُ تفرضان على غالبية الأسر البحرينية أن تدفع بأولادها وبناتها وهم بعدُ في سنوات مراهقتهم، إلى سوق العمل.

وأنا أكتبُ هذا الآن تلوح لي صور من عرفتُ على مقاعد الدراسة الابتدائية والثانوية من براعم واعدة في الحساب والعلوم والشعر، لكنها لم تتفتح للأسف بسبب تضافر الفقر والتمييز الطبقي وسطوة المتنفذين. لا شك لدّي أن خسارة البحرين كبيرة، لأن بعض هؤلاء لم يواصل تعليمه. فلقد كانت حدود أمال غالبيتنا محصورة في العمل ولم يكن استكمال الدراسة خياراً واقعياً لأبناء وبنات البحرين ‘’اللي تحت’’. بعضنا كان يأمل في أن يجد عملاً في السوق وآخرون في بابكو، أما من تلطف ربك بهم ففي دوائر الحكومة. ا

.
ما قام به المرحوم حسين منديل ورفاقه في اتحاد الأندية الوطنية له أهمية تاريخية في مسيرة هذا البلد نحو التحول إلى وطن ودولة. أي تلك الدولة والوطن اللذان بشرت بهما هيئة الاتحاد الوطني في الخمسينات. وطنٌ يتساوى فيه أهله وتتكافأ حقوقهم من دون امتيازات ومن دون تمييز. دولة تقوم أجهزتها ومؤسساتها، بما في ذلك مؤسساتها الدستورية، بتوفير تلك المساواة وذلك التكافؤ وحماية حق الناس فيهما. أ

بمنظار اجتماعي، يمكن اعتبار قيام الحركة الوطنية، وما تفرع عنها من تنظيمات سياسية ومؤسسات مجتمع مدني، بابتعاث الطلبة ذكوراً وإناثاً إلى الخارج، من الأمور الكثيرة التي قد لا تبدو مهمة بمفردها وفي وقت حدوثها إلا أنها، مجتمعة ومتراكمة، تشكل البديل المضاد الذي حاولت قيادتنا نحوه الهيئة ومن سار على الطريق نفسه من بعدها. ا

تزداد أهمية ما قام به اتحاد الأندية الوطنية حين ننظر إليه، من جهة أولى، باعتباره متابعة لمسيرة بدأتها قيادة هيئة الاتحاد الوطني في الخمسينات حين سعت إلى توفير المنح الدراسية للبحرينيين في مصر الناصرية. أو حين ننظر إليه، من جهة ثانية، باعتباره نهجاً مضاداً لنهج النظام اعتمدته وسارت عليه من بعد الهيئة غالبية فصائل الحركة الوطنية حتى وهي تعمل في أقسى ظروف العمل السري. فطوال أربعة عقود سبقت انهيار الاتحاد السوفياتي كانت جبهة التحرير الوطني والجبهة الشعبية توفران المنح الدراسية وفرص التعليم العالي لمئات من الطلبة والطالبات في طول العالم وعرضه من موسكو إلى هافانا مروراً بجامعات العراق وسوريا واليمن الجنوبي.ا

ومع أنني لا أعرف حصراً إحصائياً لأعداد الذين كانوا يرتكبون ‘’جريمة من جرائم أمن الدولة’’ بمجرد تقديمهم طلب منحة للدراسة الجامعية، لكنني أعرف أن عدداً من مؤسسات الدولة وأجهزتها ستتوقف عن العمل لولا وجود الخريجين. ولم تتوافر لهؤلاء فرص التعليم العالي لولا الجهود المضادة للنظام التي قامت بها الحركة الوطنية بدءاً من هيئة الاتحاد الوطني مروراً باتحاد الأندية الوطنية ووصولاً إلى جبهة التحرير الوطني والجبهة الشعبية. فلقد حصل هؤلاء على فرصهم في الحياة الكريمة، كمــا حصـــل الوطن على كل ما يمثلونه من رأسمال علمي وثقـــافي. ولم يكن ذلك ممكــناً لولا أن الحــركة الوطنية كانـــت تمتلك الجرأة، وقتها، على تقديم مشــروع معارض ونهــجٍ مضــاد

.
وفي كل المراحل، نرى الاقتناع اللجوج نفسه بضرورة توفير بديل تمديني يسهم في تخطى العقبات الذهنية والثقافية والبنيوية التي ولّدها الموروث وعقود من الممارسات التشطيرية. بطبيعة الحال، لن يستطيع هذا البديل التمديني بذاته أن يلغي الموروث ولا جميع نتائج ذلك التشطير. لكنه سيوفر، في أحســن الأحوال، خــياراً عقلانيــاً وواقعياً يساعد على تخطي ما يثقل كاهل حاضــرنا ويمنــع تطــور مستقبلنا.ا

.
لا أعرف أحداً يقول إن الباكر ورفاقه أو غيرهم ممن تبعهم على الطريق نفسه كانوا يخططون لتحريم التشيع أو التسنن على من أراد أياً منهما أساساً لهويته. وبالمثل لا أظن أن عاقلاً يلوم الناس اليوم عندما يتقوقعون في الواحات الطائفية المنعزلة عن بعضها بعضاً بعد أن اقتنعوا أن أطرافاً مؤثرة في الحركة الوطنية قد تخلت عن مشروعها المضاد لإنجاز بناء الدولة الدستورية التي يستمد مواطنوها من دستورها هوية توحدهم وتغنيهم عن هويات ثانوية قائمة على الموروث القبلي والطائفي.