Featured

في ذكرى السادس من نوفمبر 1956

 

في السادس شهر نوفمبر تمرُّ الذكرى السادسة والستين لإعتقال قادة هيئة الإتحاد الوطني التي قادت الحركة الشعبية المطالبة بإنهاء الهيمنة البريطانية على البلاد وتأسيس مجلس تشريعي منتخب.  وفي المحاكمات  الصورية التي أدت إلى صدورأحكام مشددة بالنفي والسجن بعد توجيه التهم الملفقة ضدهم بما فيها التخطيط لإغتيال الحاكم والتحريض على الإحتجاجات الشعبية التي شهدتها البحرين ضد العدوان الثلاثي ضد مصر  في 1956.

ونحن إذ نتذكر  بإعتزاز جهود وتضحيات الأجيال التي سبقتنا  نتذكر أيضاً أن قمع العائلة الحاكمة لكل حراك وطني لم يتغير في جوهره بل إزداد شراسة.  فلقد أصبح السجنُ والنفي ونزع الجنسية وقطع الأرزاق والحرمان من الحقوق المدنية علاوة على التعذيب المفضي إلى الموت من أكثر الأساليب التي تعتمدها السلطة في تعاملها مع المعارضة.  ففي سجون السلطة يقبع الآن المئات من خيرة نشطاء المعارضة ورموزها بعد محاكمات جائرة أصدرت أحكاماً مشددة بما فيها الإعدام والسجن المؤبد على العشرات منهم.  وفي المنافي الآن المئات من المواطنين والمواطنات الذين نُزعت جنسياتهم البحرينية عنهم أو الذين أُضطروا لمغادرة البلاد تفادياً لقمع السلطة.

بعد 66 سنة على قمع هيئة الإتحاد الوطني وإعتقال قادتها ونفي العديد منهم مازالت تتعاظم إنتهاكات العائلة الحاكمة وأجهزتها لحقوق الإنسان في البحرين وتتعدد محاولاتها لتجميل صورتها والظهور بمظهر الدولة الحديثة. فهي تقوم في هذه الأيام  بتنظيم ما تسميه إنتخابات لمجلس نيابي لا يملك صلاحيات التشريع ولا مراقبة السلطة ومحاسبتها. بل إن العائلة الحاكمة، عبر أوامر العزل السياسي، هي التي تقرر من يحق له أن يترشح ومن يحق له أن ينتخب.    

وبعد 66 سنة على قمع هيئة الإتحاد الوطني ما تزال إرادة شعبنا في التغيير صامدة.  ويشهد تاريخ الإنتفاضات الشعبية المتعاقبة على إختلاف واجهاتها على تعاظم الرفض الشعبي لإستمرار هذا النظام السياسي الذي أسسه المستعمر البريطاني والذي تحتكر فيه العائلة الحاكمة وحدها موارد الدولة وأدوات السلطة فيها.

إننا إذ نتذكر تضحيات قادة هيئة الإتحاد الوطني ونترحم على شهدائها، وإذ نتذكر في الوقت نفسه تضحيات قادة ونشطاء الإنتفاضات المتعاقبة قبل الهيئة وبعدها ونترحم على شهدائها فإننا نؤكد على إستمرار مسيرة النضال بجميع الوسائل السلمية لتحقيق آمال شعبنا في إقامة دولة حديثة وديمقراطية تحقق الأمن والرفاهية والمساواة الفعلية لجميع المواطنين.

16/3/1992

‏في مثل هذا اليوم قبل ثلاثين سنة (١٦ مارس١٩٩٢) منعتني السلطة الخليفية من دخول ⁧‫#البحرين‬⁩ و أبعدتني

مرة ثانية من البلاد بعد إحتجاز وجلسات تحقيق لعدة ساعات في إحدى زنازن الأمن في مطار البحرين

بعد فترة (في 28/4/1992) نشرتُ في جريدة القدس العربي الصادرة في لندن رسالة مفتوحة إلى حاكم البحرين وقتها عرضتُ فيه بعض ما تعرضتُ له من إجراءات جائرة وجلسات تحقيق غير مبررة على أيدي محققيْن بحرينييْن من التابعين لجهاز الأمن الذي كان يديره الضابط البريطاني إيان هندرسون ( المعروف بسفَاح البحرين). ورغم أن المحققيْن كانا يتحدثان معي بلهجة عربية بحرينية إلا إنهما كانا يتلوان الأسئلة من ورقة مكتوبة اللغة الإنجليزية

في باب اللعب على كل الحبال

:
‏أصدر تنظيمه بعذ أقل من إسبوعين من صدور مرسوم الدستور الملكي في ٢٠٠٢ بيان “وحدة إرادة الملك والشعب” دون التشاور مع أي طرف سياسي آخر…بل وبدون إستشارة أعضاء التنظيم نفسه.
‏عرفنا وقتها أن ثمن ذلك البيان المزري حصول قيادة التنظيم على مكرمات ملكية متعددة بمافيها

‏دخول بعضهم برلمان ٢٠٠٢.

‏تدور الأيام ليعلن الأمين العام الأسبق أن أطراف المعارضة (الأخرى) هي سبب تشطير المجتمع وإفشال بناء الدولة وهشاشة العمل الجماعي الوطني.

‏”العيب فيكم… وف حبايبكم” قال الأمين العام الأسبق متناسياً دور تنظيمه منذ ٢٠٠٢ في دعم السلطة الإستبدادية وإنتهاكاتها

‏هاكم البيان المزري الذي أصدرته قيادة المنبر التقدمي وجرى توزيعه في ٢٠٠٢/٣/١

‏⁦‪abdulhadikhalaf.wordpress.com/2010/11/16/‬⁩بيان-جمعية-المنبر-الديمقراطي-التقدمي/

شئٌ عن ماضٍ حاضر

مقال منشور في جريدة الوقت 421 بتاريخ 17 أبريل /نيسان 2007

شيء عن ماضٍ حاضر
عبدالهادي خلف

العدد 421 – الثلثاء 29 ربيع الأول 1428 هـ – 17 أبريل 2007

في صيف 1961 أعلن اتحاد الأندية الوطنية في البحرين عن حصوله على موافقة حكومة الجمهورية العراقية، في عهد الزعيم عبدالكريم قاسم، على توفير عددٍ من المنح الدراسية في المدارس والجامعات العراقية. وكان عدد المنح قليلاً ولا يتناسب مع عدد الطلبات التي انهالت على رئيس اتحاد الأندية الوطنية آنذاك، المرحوم حسين منديل، إلا أنه لطيب أخلاقه وحبه لبلده لم يكن يرفض أحداً، بل سعى لدى المسؤولين في الخارجية العراقية وعلى رأسهم المرحوم الدكتور محمود الداود الذي أَحبّ البحرين فبذل ما يستطيع من أجل الاستجابة لطلبات حسين منديل. هكذا ارتفع عدد المقبولين للدراسة في العراق في تلك السنة ليقارب ثلاثين طالباً وطالبة بحرينية.ا

.
كنتُ من المحظوظين الذين قُبلت طلباتهم. أقولُ من المحظوظين لأن غالبية من سافروا إلى العراق لم يكونوا قادرين على متابعة تعليمهم لولا تلك المنح الدراسية. نعم، كانت درجاتنا عالية، لكن من قال إن الدرجات وحدها معيارٌ يُعتمد عليه للحصول على منحة دراسية من وزارة المعارف البحرينية وقتها

.
كانت البحرين، كلها، أو على الأصح البحرين ‘’اللي تحت’’، ممثلة بين من حصلوا على المنح الدراسية العراقية. فمنهم من أتى من ‘’زرانيق’’ المنامة و’’دواعيس’’ المحرق ومن المناطق المهملة في جدحفص والحد والرفاع الشرقي. وكان بيننا من كان متديناً ومن كان ملحداً، وكان بيننا من قيل إنهم بعثيون أو شيوعيون أو قوميون وغير ذلك. لكننا، جميعاً، كنا نعرف أننا حصلنا على فرصة ما كنا لنحصل عليها لولا أن حسين منديل ورفاقه تابعوا مسيرة قادة الهيئة وتمسكوا بحلمها بدولةٍ غير التي حَرَمتنا من فرص التعليم العالي

.
قلتُ إنني لم أكن المحظوظ الوحيد حين سافرتُ إلى بغداد. فبجانب ما يتولد عن سطوة المتنفذين وما تسببه تقارير ‘’بوب’’ استناداً إلى تقارير مخبري جهاز المباحث من معوقات، فلقد كانت ظروف المعيشة والفقرُ تفرضان على غالبية الأسر البحرينية أن تدفع بأولادها وبناتها وهم بعدُ في سنوات مراهقتهم، إلى سوق العمل.

وأنا أكتبُ هذا الآن تلوح لي صور من عرفتُ على مقاعد الدراسة الابتدائية والثانوية من براعم واعدة في الحساب والعلوم والشعر، لكنها لم تتفتح للأسف بسبب تضافر الفقر والتمييز الطبقي وسطوة المتنفذين. لا شك لدّي أن خسارة البحرين كبيرة، لأن بعض هؤلاء لم يواصل تعليمه. فلقد كانت حدود أمال غالبيتنا محصورة في العمل ولم يكن استكمال الدراسة خياراً واقعياً لأبناء وبنات البحرين ‘’اللي تحت’’. بعضنا كان يأمل في أن يجد عملاً في السوق وآخرون في بابكو، أما من تلطف ربك بهم ففي دوائر الحكومة. ا

.
ما قام به المرحوم حسين منديل ورفاقه في اتحاد الأندية الوطنية له أهمية تاريخية في مسيرة هذا البلد نحو التحول إلى وطن ودولة. أي تلك الدولة والوطن اللذان بشرت بهما هيئة الاتحاد الوطني في الخمسينات. وطنٌ يتساوى فيه أهله وتتكافأ حقوقهم من دون امتيازات ومن دون تمييز. دولة تقوم أجهزتها ومؤسساتها، بما في ذلك مؤسساتها الدستورية، بتوفير تلك المساواة وذلك التكافؤ وحماية حق الناس فيهما. أ

بمنظار اجتماعي، يمكن اعتبار قيام الحركة الوطنية، وما تفرع عنها من تنظيمات سياسية ومؤسسات مجتمع مدني، بابتعاث الطلبة ذكوراً وإناثاً إلى الخارج، من الأمور الكثيرة التي قد لا تبدو مهمة بمفردها وفي وقت حدوثها إلا أنها، مجتمعة ومتراكمة، تشكل البديل المضاد الذي حاولت قيادتنا نحوه الهيئة ومن سار على الطريق نفسه من بعدها. ا

تزداد أهمية ما قام به اتحاد الأندية الوطنية حين ننظر إليه، من جهة أولى، باعتباره متابعة لمسيرة بدأتها قيادة هيئة الاتحاد الوطني في الخمسينات حين سعت إلى توفير المنح الدراسية للبحرينيين في مصر الناصرية. أو حين ننظر إليه، من جهة ثانية، باعتباره نهجاً مضاداً لنهج النظام اعتمدته وسارت عليه من بعد الهيئة غالبية فصائل الحركة الوطنية حتى وهي تعمل في أقسى ظروف العمل السري. فطوال أربعة عقود سبقت انهيار الاتحاد السوفياتي كانت جبهة التحرير الوطني والجبهة الشعبية توفران المنح الدراسية وفرص التعليم العالي لمئات من الطلبة والطالبات في طول العالم وعرضه من موسكو إلى هافانا مروراً بجامعات العراق وسوريا واليمن الجنوبي.ا

ومع أنني لا أعرف حصراً إحصائياً لأعداد الذين كانوا يرتكبون ‘’جريمة من جرائم أمن الدولة’’ بمجرد تقديمهم طلب منحة للدراسة الجامعية، لكنني أعرف أن عدداً من مؤسسات الدولة وأجهزتها ستتوقف عن العمل لولا وجود الخريجين. ولم تتوافر لهؤلاء فرص التعليم العالي لولا الجهود المضادة للنظام التي قامت بها الحركة الوطنية بدءاً من هيئة الاتحاد الوطني مروراً باتحاد الأندية الوطنية ووصولاً إلى جبهة التحرير الوطني والجبهة الشعبية. فلقد حصل هؤلاء على فرصهم في الحياة الكريمة، كمــا حصـــل الوطن على كل ما يمثلونه من رأسمال علمي وثقـــافي. ولم يكن ذلك ممكــناً لولا أن الحــركة الوطنية كانـــت تمتلك الجرأة، وقتها، على تقديم مشــروع معارض ونهــجٍ مضــاد

.
وفي كل المراحل، نرى الاقتناع اللجوج نفسه بضرورة توفير بديل تمديني يسهم في تخطى العقبات الذهنية والثقافية والبنيوية التي ولّدها الموروث وعقود من الممارسات التشطيرية. بطبيعة الحال، لن يستطيع هذا البديل التمديني بذاته أن يلغي الموروث ولا جميع نتائج ذلك التشطير. لكنه سيوفر، في أحســن الأحوال، خــياراً عقلانيــاً وواقعياً يساعد على تخطي ما يثقل كاهل حاضــرنا ويمنــع تطــور مستقبلنا.ا

.
لا أعرف أحداً يقول إن الباكر ورفاقه أو غيرهم ممن تبعهم على الطريق نفسه كانوا يخططون لتحريم التشيع أو التسنن على من أراد أياً منهما أساساً لهويته. وبالمثل لا أظن أن عاقلاً يلوم الناس اليوم عندما يتقوقعون في الواحات الطائفية المنعزلة عن بعضها بعضاً بعد أن اقتنعوا أن أطرافاً مؤثرة في الحركة الوطنية قد تخلت عن مشروعها المضاد لإنجاز بناء الدولة الدستورية التي يستمد مواطنوها من دستورها هوية توحدهم وتغنيهم عن هويات ثانوية قائمة على الموروث القبلي والطائفي.


*عن السابع من ديسمبر

أكتب هذه الكلمات صباح الأحد ,السابع من ديسمبر/كانون أول, بعد أن قرأت ما كتبه أخونا أحمد البوسطة عن هذا اليوم في الذاكرة الوطنية[. ففي مثل هذا اليوم من العام 1973 جرت أول إنتخابات تشريعية في البحرين. وهو نفس اليوم الذي إعلنته بعض المنظمات الدولية يوماً  للتضامن العالمي مع شعب البحرين. ومن بين عشرات الناس ممن يجب الإحتفال بهم في هذا اليوم يبرز إسما علي دويغر ومحمد حسين نصر الله. وهذان, لمن لا يعرف, مناضلان يمتد تاريخهما النضالي دون إنقطاع لأكثر من خمسين سنة. وللأول علاقة مباشرة بما تحقق في يوم الإنتخابات. وللثاني يعود فضل تخصيص يومٍ للتضامن مع شعب البحرين. وفوق ذلك فلقد كان محمد حسين في منتصف الثمانينيات أحد مرشحيْن إثنيْن لمنصب أول أمين عام في لجبهة التحرير الوطني.

في مثل هذا اليوم قبل خمس وثلاثين سنة خطا شعب البحرين خطوة صغيرة ولكنها مهمة في إتجاه بناء الدولة الدستورية. ومعلومٌ أن التصويت في ذلك اليوم أسفرعن فوز

ثمانية من إثني عشر مترشحا على قائمة “كتلة الشعب”. ولا شك لديّ أن ذلك النجاح كان حدثاً تاريخياً في ذاته.  فلم تكن “كتلة الشعب” مجرد تجمع إنتخابي بل كانت تركيبتها تعكس نتاج التطور السياسي والإجتماعي الذي مرت به بلادنا منذ منتصف الخمسينات. فلقد تشكلت الكتلة من أعضاء معروفين وغير معروفين من مختلف ألوان الطيف الوطني, ففيهم الشيوعي والقومي والبعثي والمستقل. كما كان من بينهم المتديِّن وغير المتديِّن. ولقد إستوعبت السلطة خطورة هذا الخليط ومدى جاذبيته للناس. ولعل في هذا بعض ما يفسر كثرة الجهود التي بذلتها السلطة لمنع قيام الكتلة  ثم لعرقلة تواصل مرشحيها مع الناس.

لا شك أن كثيرين سيحتفون بتلك المحطة البارزة  في مسيرتنا الوطنية. ولا شك أن كثيرين سيروْن فيها تأكيداً آخر على أن الناس في بلادنا, حالهم في ذلك مثل حال الناس في كل مكان, يلتفون حول من يتوسمون فيه الإصرارعلى الدفاع عن حقوقهم. ولولا ثقة الناس بإصرار مرشحي الكتلة لما إستطاع واحدٌ منهم, ناهيك عن ثمانية, الوصول إلى البرلمان. نعمْ لقد دار وقتها جدلٌ محتدم حول جدوى المقاطعة والمشاركة. إلا أن أحداً لم يطرح أن تكون كتلة الشعب مصباحاً يضئ حتى يرى الناس “نصف كأس السلطة المليان”. ولم تقبض الكتلةُ أموالاً  سراً أوجهراً. ولم تضع نفسها مدافعة عن السلطة في وجه إنتقادات الآخرين. بل طرحت الكتلة نفسها كجزء صغير من معارضة تقودها قوى وطنية تمارس أنشطتها بين الناس, في الشارع وفي مواقع العمل. من جهة أخرى لم يكن الفائزون من الكتلة ينافسون أناساً من عامة الناس بل كان بعض المنافسين قامات تاريخية مثل المرحوم عبدالعزيز الشملان. وكان بين المنافسين أصحاب مؤسسات إعلامية كان ممن كان لهم دور وطني عندما كانوا شباباً. علوة على ذلك لم يكن مرشحو كتلة الشعب يواجهون المترشحين الآخرين فحسب بل كانوا يواجهون أيضاً آلة السلطة الإعلامية وترسانة قوانينها. فبفضل تلك القوانين مُنعت كتلة الشعب من مخاطبة الناس بل و مُنعت حتى من طباعة برنامجها لولا أن نشرته مجلة “الطليعة” الكويتية لتتناقله الناس في البحرين مستنسخاً. 

أقولُ من الواجب التذكير بإسميْ علي ومحمد حسين.  فلقد كان الأولُ أحد المبادرين لتشكيل كتلة الشعب. وساهم بما لديه من مصداقية و خبرة سياسية في صياغة المسودة الأولى لبرنامج الكتلة. ولقد إنتبه هندرسون وجهازه إلى أهمية ما يقوم به علي فتركزت الجهود للتخلص منه. إلا أن التخويف بالسجن لم يكن مجدياً في حالة دويغر وهو الذي خبر المعتقلات. ومعلومٌ أنه كان في سجن جدة حين كان المرحومان إبراهيم الموسى وإبراهيم فخرو يقضيان فيه مدة حكم قضائي ظالم بسبب دورهما في قيادة هيئة الإتحاد الوطني. ولهذا صدر الأمر إلى علي دويغر بمغادرة البلاد دون مسوغ قانوني أو أمر قضائي.[ii] ورغم ما مثله تسفير دويغر من خسارة للكتلة إلا ذلك لم يؤد إلى شل حركتها كما تخيلت السلطة.

أما محمد حسين نصر الله فكان وقتها معتقلاً ضمن مجموعة من إثنين وثلاثين من خيرة بنات وأبناء شعبنا. مجموعة فيها الشاعر والمهندس والعامل والناقد والقصاص والمدرس والطبيب والمسرحي والرسام و الحقوقي.  كانوا حقاً من خيرة من أنجبت أرضنا. ولا شك أن وجودهم في المعتقل أسهم في تغيير مسار الأمور. فلو لم يكن محمد حسين نصرالله في المعتقل لما وجد الناس في دائرتي الإنتخابية مترشحاً أفضل منه. بل لقد درسنا بجدية إقتراحاً بترشيحه رغم وجوده في المعتقل على غرار ما يحدث في بلدان أخرى. فوجدنا الإقتراح غير عملي في ظروفنا. إلا أن “قضية المعتقلين” فرضت نفسها على أول جلسة للمجلس الوطني وكادت أن تشّله تماماً لولم تطلق الحكومة سراحهم.  

بعد عام من حل المجلس في صيف 1975 شارك محمد حسين في أحد مؤتمرات منظمة التضامن الأفروآسيوية. ونجح في إقناع ممثلي ما يقرب من مئتيْ منظمة دولية بتخصيص يوم للتضامن مع شعب البحرين إسوة بأيام التضامن المخصصة لشعوب مناضلة أخرى. وتكرَّس اليومُ في الأجندة الدولية بعد ذلك بقرار مماثل إتخذه مؤتمر مجلس السلم العالمي.  

لا يُلام أحدٌ من بنات وأبناء هذا الجيل إن لم يتوقف عند المعنى التاريخي لإنتخابات العام  1973.[iii] ولا يلأم أحدٌ أن لم يعرف مغزى تخصيص يوم للتضامن مع شعبنا في أجندة المنظمات العالمية الفاعلة آنذاك. ولهذا يقع على عاتقنا واجب التذكير بالمحطات البارزة في تاريخنا الوطني علاوة على إشهار الجهود “المجهولة” وغير المجهولة التي ساهمت في صنع ذلك التاريخ. بل أن من الواجب التأكيد على أهمية تأريخ الجهود الكبيرة والصغيرة الذي بذلها عشرات الأشخاص “المجهولين” أوالمُغَّيبين عن ذاكرة الوطن. وهذا موضوع مهم لا بد وأن تتولاه اللجان التي سمعنا ضجيجاً كثيراً عن تأسيسها من قبل عدة جهات لتدوين تاريخ الحركة الوطنية

………..


  • مقالٌ منشور في جريدة الوقت في 9 ديسمبر 2008

[i]

أحمد البوسطة, “7 ديسمبر الـتاريخي” , الوقت, 7 ديسمبر/كانون أول 2008

[ii]

أنظر  منصور الجمري, “حديث الذكريات للشخصية الوطنية المعروفة المناضل الأستاذ علي عبدالله دويغر عضو المنبر الديمقراطي التقدمي” , الوسط, 19 سبتمبر/أيلول 2003

[iii]

أنظر كتاب علي قاسم ربيعة «التجربة الدستورية في البحرين – التجربة الموءودة»، مسودة تحت الطبع.

[iv]

حدث في 22 أكتوبر 1974

1

في 25/6/1974  أُعتقلتُ مع ما يصل إلى ثلاثين من النشطاء السياسيين والنقابيين وتم نقلنا إلى سجن جزيرة جدا  وأُحتجزنا في القسم المخصص للسجناء السياسيين هناك. وهناك تعلّمنا بسرعة من  خبرات من معنا من ذوي الخبرة  ليقوم كلُ واحدٍ منا بما يتوجب عليه القيام به للإحتجاج على إستمرار سلب حريتنا وحرماننا من حقوقنا بدون تهمة ودون محاكمة.

بعد مرور ما يقرب الأربعة أشهر فاجأنا الضابط البريطاني سميث الذي كان يدير السجن بخبرٍعن قرب الإفراج عن عددٍ من المعتقلين.   وبالفعل تم نقل غالبية المعتقلين في اليوم التالي من الجزيرة/السجن إلى المنامة حيث تم الإفراج عنهم. اقولُ الغالبية لأن السلطة قررت إستمرار إعتقال خمسة من المعتقلين هم المرحوم أحمد الذوادي وعباس .عواجي ويوسف العجاجي وأحمد الشملان وعبدالهادي خلف. جرى توزيعنا على مراكز إعتقال مختلفة في الزلاق والقلعة والرفاع وجدا.  وكانت الأخيرة من نصيبي.

لم نكن نعرف وقتها  أن قرار الإفراج عن غالبية المعتقلين كان تمهيداً لإعلان مرسوم أميري (سيُعرف لاحقاً بإسم قانون أمن الدولة) الذي طُبق علينا نحن الخمسة الباقين بأثر رجعي.  

كذلك لم نكن نعرف وقتها ما أثبتته التطورات السياسية والأمنية اللاحقة طيلة سنوات تطبيق مرسوم أمن الدولة  من أن شرور ذلك المرسوم  وآثام السلطة في تطبيقه لم توفر أحداً  بمن فيهم من إقتنعوا في البداية أنهم محصنون لهذا السبب أو ذاك ضد جبروت السلطة. فبقوة ذلك المرسوم أطلقت السلطة أيدي وزير الداخلية وجهازالأمن بقيادة إيان هندرسون ليعيثوا في البلاد قمعاً وفساداً.   

ففي خلال تلك السنوات الست والعشرين سُجن وعذب مئات النشطاء بالإضافة إلى عشرات المواطنين والمواطنات ممن لا دخل لهم في أنشطة المعارضة. وفي تلك السنوات سقط شهداءٌ تحت التعذيب أو بسبب سوء المعاملة  أثناء إحتجازهم طبقاً لمرسوم أمن الدولة. وفي تلك السنوات تم إعتقال اربعة ، على الأقل، من أعضاء برلمان 1973 عدا المئات ممن قُطعت أرزاقهم.

2

 صدرالمرسوم بقانون  بشأن تدابير أمن الدولة في 22 أكتوبر 1974 أي قبل يومٍ واحد من عودة المجلس الوطني للإنعقاد بعد إنتهاء إجازته الصيفية.  وللتوقيت حساباته لدى السلطة. إلا إن أحداً لم يتوقع أن يتقرر بذلك المرسوم مصير البلاد لفترة تالية إمتدت لأكثر من ربع قرن إلى أن تم إلغائه بموجب مرسومٍ أميري آخر صدر في 21/2/2001.

تتضمن المادة الأولى من المرسوم  لائحة مبهمة من الأفعال والأقوال الأنشطة والاتصالات التي يحق لوزير الداخلية وقضاة المحكمة الخاصة بأمن الدولة إعتبارها

إ “إخلالاً بالأمن الداخلي أو الخارجي للبلاد أو بالمصالح الدينية والقومية للدولة أوبنظامه الأساسي أو الاجتماعي أوالاقتصادي أويعد من قبيل الفتنة التي تؤثر أومن المحتمل أن تؤثرعلى العلاقات القائمة بين الشعب والحكومة أوبين المؤسسات المختلفة للدولة أوبين فئات الشعب أوبين العاملين بالمؤسسات والشركات أو كان من شأنها أن تساعد على القيام بأعمال تخريبية أو دعايات هدامة أو نشر المبادئ الإلحادية“ا

وتجيز المادة نفسها  لوزير الداخلية (وليس للنيابة أو القضاء) أن يأمر بالقبض على المشكوك فيه وحبسه لمدة ثلاث سنوات.

وكما هو متوقع أثار صدور المرسوم غضباً واسعاً وخاصة  جراء تطبيق أحكامه قبل مناقشته مما يعني عملياً  “إلغاء الديمقراطية الجزئية التي وفرها دستور 1973″، حسبما أشار الأستاذ علي ربيعة في كتابه “التجربة المؤودة”.   وفوق ذلك منعت وزارة الداخلية عددأ من النواب من كتلتيْ الشعب والوسط بمن فيهم المرحوم محمد جابر الصباح ومحسـن مرهون وعلي ربيعة ورسول الجشي من عقد الندوات لمناقشة المرسوم وحشد الرأي العام ضده.  وحين تعاون نواب كتلة الشعب مع نواب كتلة الوسط في محاولات متكررة لعرض المرسوم للمناقشة في جلسات المجلس الوطني أفشلت الحكومة تلك المحاولات بوسائل الضغط المختلفة.

في  تلك الأجواء الصاخبة داخل المجلس الوطني وخارجه إختارت الكتلة الدينية ألا تعلن موقفاً من المرسوم لا بالرفض ولا بالموافقة.  وإتضح هذا الخيار بجلاء في 22/11/1974 أي بعد شهر كامل على إعلان مرسوم أمن الدولة.

وكان ذلك في مقابلة أجرتها جريدة “السياسة”  الكويتية  مع  عضو الكتلة الدينية الشيخ  عيسى قاسم تناول فيه موقف  كتلته  من المرسوم.  وهو موقف يتلخص في قوله:  لا أستطيع  الآن أن أقول أنني موافق  عليه أو غير موافق……أحب أن أقول أن لهذا القانون سلبيات  و ايجابيات  و الموازنة في نظرنا  لن تكون في مصلحة  محضة و بين مضرة محضة.ا (التجربة المؤودة،.. ص 303)ا

وصلتني تفاصيل متفرقة عن تلك المقابلة وأنا في جزيرة جدا. تألمتُ ولكنني لم أتفاجا بموقف الشيخ عيسى قاسم وكتلته.  تألمتُ ليس لأنني قد صرتُ أحد أوائل من طُبق ذلك المرسوم عليهم  بل بسبب عدم رغبة ممثلي قطاع معتبر من الشعب في إتخاذ موقفٍ صريح من مرسومٍ إستبدادي يعطي وزير الداخلية صلاحيات واسعة لقمع كل نشاط ورأي.  

 على أية حال لم يكن ذلك الموقف مفاجئاً. فالشيخ عيسى وكتلته, وهذا من حقهم، وجدوا إن في المرسوم فرصة سانحة للمقايضة مع الحكومة التي تواجه تصاعد  الرفض الشعبي للمرسوم علاوة إستمرار الإنتقادات الإقليمية والدولية لها بسببه.

الحاصل  أن مصير البلاد بقيَ لعدة أشهر معلقاً في إنتظار نتائج حسابات قصيرة النظر.  أقول، في تلك المقابلة التي نشرتها جريدة السياسة كان الشيخ عيسى يعرض على الحكومة موقفاً تفاوضيا يأمل أن يؤدي إلى أن تتعهد  السلطة بتقديم تنازلات في مجالات حيوية بالنسبة للكتلة الدينية بما فيها:

تحريم بيع الخمور وفصل الذكور عن الإناث في التعليم العالي… أسوة بفصله في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية الرسمية…وعدم إشراك المرأة في الحياة العامة كالنوادي والجمعيات المختلطة ومؤسسات العمل التي تجمع بين الجنسين وإلى منع الطبيب الذكر من معالجة المرأة المريضة وغير ذلك مما يتماشى مع الأعراف الدينية.  (فؤاد خوري، القبيلة والدولة…ص344)ا [i]

فتلك كانت القضايا التي ركزت الكتلة الدينية عليها طيلة دورة الإنعقاد الأولى في 1973-1974 وأخذت حيِّزاً كبيراً من عمل المجلس الوطني ومداولاته.

في تلك الفترة التي فاقت سبعة أشهر من غموض موقف الكتلة الدينية وإنتظارأن تحدد موقفها وتعلنه إنتشرت أقاويلٌ لا يمكن التحقق منها عن إطمئنان السلطة إلى  تأكيدات بتأييد المرسوم حصلت عليها من المرحوم الشيخ سليمان المدني وجناحه في  الكتلة الدينية. ولتعزيز ذلك الإطمئنان كررت التصريحات الرسمية وبعض وسائل الإعلام التأكيد على  أن المرسوم إنما يستهدف الشيوعيين والأنشطة والقلاقل التي يثيرونها وما يقومون به من “أعمال تخريبية أو دعايات هدامة أونشر المبادئ الإلحادية” حسب نص المرسوم

3

في مقابل جهود السلطة، كانت القوى الوطنية والنقابية في تلك الأثناء،  تشكل الوفود التي كانت تتوجه إلى مساكن النواب بمن فيهم نواب الكتلة الدينية لمناشدة المترددين منهم بإتخاذ موقف رافضٍ للمرسوم  ولمحاولة إقناع الرافضين له بتكثيف المساعي لعرضه للمناقشة في المجلس تمهيداً لرفض  تمريره.[ii]

رغم ذلك نجحت الكتلة الدينية ولفترة طويلة في أن إبقاء الغموض محيطاً بموقفها الرسمي طيلة أكثر من سبعة أشهر. أي إلى أن نشـرت مجلة صدى الأسبوع في 17/6/1975 لقاءً أجرته مع المرحوم الشـيخ عبدالأمير الجمري وأكد فيه: إننا قررنا أن نرفض هذا الشروع، ولقد رأينا  فيه عودة بالبلاد إلى الوراء. ولذلك لم يكن هناك مناص من رفضه”.  (التجربة المؤودة، ص 307)ا

تنفّس جميع المعنيين الصعداء وقتها فلقد كرّس ذلك التصريح بوضوح لا لُبس فيه  إنضمام نواب الكتلة الدينية إلى كتلتيْ الشعب والوسط في رفض المرسوم. وبذلك الموقف الموحد شعر النواب بما يكفي من القوة  لإنذار  الحكومة ومطالبتها بإلغاء المرسوم أو تقديمه إلى المجلس الوطني للتصويت عليه.  وحيث أن الحكومة لم تكن راغبة في أي من الإقتراحيْن فقد وعدت بمراجعته في فترة زمنية أقصاها نهاية يوليو 1975.  (عبدالهادي خلف، بناء الدولة… ص 75)ا

إلا أن السلطة لم تراجع نفسها لا  بسحب المرسوم أو إستبداله ولا بإعادة النظر في سياسة اللعب على الخلافات بين الكتل البرلمانية الثلاث.  فلقد كانت السلطة تحلم بعالمٍ آخر ستتمكن من إيجاده بالموارد المالية غير المسبوقة التي جاءت بها الطفرة النفطية التي تلت حرب اكتوبر 1973.  وهو عالمٌ لا ترى فيه  أنها في حاجة لبرلمانٍ يشاركها السلطة ناهيك عن نوابٍ يحاسبونها ويسائلونها.

بدلاً من ذلك إتجهت السلطة إلى الطريق الأكثر راحة بالنسبة لها فأصدر الأمير في 26/8/1975 مرسوماً بحل المجلس الوطني. ففرضت بذلك على البلاد أن تعيش في ظل مرسوم أمن ألدولة إلى أن أوصلتها إنتفاضة التسعينيات إلى طريق مسدود وحتّمت إلغاء ذلك المرسوم.  ما حدث بعد ذلك تاريخٌ يُروى.

عبدالهادي خلف

22/10/2020


[i] أنظر كذلك وسام السبع ” الكتلة الدينية في برلمان 1973..النازحون من الريف” … الوسط – 22 أكتوبر 2010.  وكذلك حسين المرزوق، “الشيخ عيسى قاسم والتجرية البرلمانية الأولى”، مجلة رسالة القلم، 13/4/2016

[ii] يعرض الأستاذ علي ربيعة في الصفحات 294-339 من  كتابه “التجربة المؤودة” تفاصيل كثيرة عن تلك الأنشطة وبعض الأمثلة عن تلك الوفود وردود النواب.

مما تركه الرفيق الفنان سلمان زيمان: مداخلة غنية في ندوة الأغنية الوطنية

    ندوةالأغنية الوطنية” التي أقامها المنبر الديمقراطي التقدمي بتاريخ 20 مارس 2005م 
http://almenber.com/conferences.asp?id=126
المتحدث: الفنان سلمان زيمان

اسمحوا لي أن أصطحبكم إلى جزرٍ من أرخبيل الأغنية الوطنية في البحرين . وأطمح أن تتبصروا معي و تساهموا في اكتشاف ورسم خرائط الجزر النائية ، وتلك التي غمرتها المياه بفعل المتغيرات المناخية المتغلبة خلال النصف قرن الأخير. فهلم بنا و لنبحر معاً ونكتشف أرخبيلنا الثقافي الجميل ، ولنوثق خرائطه لنستدل، وتستدل بها أجيالنا القادمة.

كان للأغنية والأنشودة والأهازيج حضوراً فاعلاً ومؤثراً بتاريخنا الوطني . فقد إستطاع هذا الفن أن يعبر بصدق عن تطلعات ومواقف ومشاعر قطاع واسع من شعبنا في البحرين . فمن شحذ الهمم ، ونثر الأمل والتفاؤل إلى إقامة مراسم التأبين والرثاء لمن فقد من الأحباب . إنه جزء مهم من ذاكرتنا الوطنية ، ساهمت الأجيال المتعاقبة في تراكمه ، و اختلطت مصادر الإبداع الفني في هذا النتاج ، بين المعروف والمأثور لتداخل اللمسات عبر سنوات طويلة من التناقل الشفهي .
سأتطرق في حديثي هذا الى الظروف الذاتية والموضوعية التي صاحبت نشوء وتطور هذا النوع من الإبداع الفني . متكئاً الى عينة من نتاج أربعيين عاماً امتدت ما بين 1965 و2005 .
إن لكل عمل من هذه القطع الفنية شهادة ميلاد وعنوان ، ارتبطت بانفعالات إنسانية متباينة . . شوق وحنين وأمانٍ ، والكثير من الأمل ، والحزن والفرح . ولضرورة الحفاظ على ذاكرتنا الوطنية حية ، وحق الأجيال في التعرف على هذا الجانب من تاريخها الوطني ، فإننا جميعاً معنيون ،وملزمون كل في مجاله بجمع تراثنا الوطني بكافة أركانه ، لما يمثله ذلك من أهمية وضرورة في الوقت الحاضر. إننا سنتكبد الكثير من الخسائر إن تأخر رصد هذا التراث وتوثيقه ، ما سيتسبب في خسارة يصعب تفاديها عندما تشح المعلومات الموثقة من مصادرها ويعز الحصول عليها من منابعها الأصلية ويصعب حينها التحقق منها وإعتمادها .

لم الأنشودة والأغنية والأهزوجة ؟

إن أردت أن توحد صوت الجمهور وتضيف اليه رهبة وعنفوان ، ضع مطالبه في أهزوجة موقعة و منغمة . وتبين حينها انفعالات هذه الجماهير ووقع أداءها المؤثر على الآذان ، حين تصدح الأصوات ، ويهتز الفضاء بفعل توحد ثيمات صاعدة وهابطة ، تبث فعلها السحري في توجيه كيماء المشاعر الفردية والجماعية ، فتتوحد مشاعر الغضب ، والحزن والفرح ، و مشاعر الإستنفار و الإنتصار ، والعزم ، والتفاؤل ، تتوحد في رهبة تقشعر لها الأفئدة و الأبدان

أسعى من خلال هذا اللقاء أن أقدم لكم عرضاً تأريخياً موجزاً ، و أأكد “موجزاً” لمسار نوع خاص ومختلف من الأهازيج و الأناشيد والأغاني التي إرتبطت بظروف خاصة ومختلفة عايشتها جماهير شعبنا في البحرين . وبدافع الإهتمام والمساهمة المتواضعة في توثيق ما بقي منها في الذاكرة الفردية والجماعية ، و سعياً لحفظ أمانة ، كنز الذاكرة الوطنية ، إستطعت، وبفضلٍ من إخوةٍ تشاطرني الإهتمام ذاته ، إستطعت الإطلاع وجمع و لملمة مقدار حسن من نتاج وإبداع الأربعين عاماً الأخيرة ، تنوعت بين القصائد والأهازيج والأغاني والأناشيد ، التي صيغت في ظروف صعبة ،عكست بمفرداتها وصورها الشعرية واللحنية آلام وأماني وإنفعالات ومشاعر واسعة التنوع ، و ممتدة الأفق والمدى ، نشأت وظهرت وكمنت في ظروف موضوعية خاصة .
كثير من تلك الأهازيج والقصائد تحولت بدورها الى مواويل وأناشيد وأغانٍ إرتبطت بألحان وبناء موسيقي . بعض تلك الأعمال أتت عفوية الألحان ، بسيطة التركيب والبناء ، تناقلتها الأفئدة والحناجر ، وزادت عليها ما زادت من المفردات اللغوية ، و التعبيرات اللحنية . وأما البعض الآخر منها فقد ظهر بصياغةٍ حِرفية الحبكة ، و من صنع وإبداع محترفي وممتهني فنون الموسيقى والغناء .

أغاني السجون والمعتقلات
شكلت جدران الزنازن الضيقة فضاءً واسعاً للكثير من القصائد الشاعرية الصادقة ، التي التصقت الحبيبة فيها بالوطن العزيز ، وإرتبطت آلام الفراق للأحباب وأوجاع الحبس وإفتقاد الحرية ، بالأمل والشجاعة والإصرار والعناد والتحدي . كانت دماء الحياة تتدفق بين دهاليز الموت والجفاف وتنبعث حياة بعد حياة .
لقد أبدع الأديب والمناضل الكبير أحمد الشملان الكثير من قصائده المعبرة ، المنشورة منها وغير المنشورة بين تلك الجدران الرطبة النتنة ، محطماً وقالعاً أساساتها ،و محلقاً بخياله إلى أبعاد تنفرج بإتساع أطراف الكون ، ناثراً من بين أجنحته بذورٌ للأمل ، و رياحينٍ للحبِ والحرية . أحمد الشملان دبغ الأناشيد ، و نسج الأغاني والمواويل ، وهو الصادح بحنجرته الرخيمة بين الجماهير، في مظاهرات واحتجاجات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ، بأهازيجه الموزونة ، باثاً بعنفوانه لهيب الحماس والعداء ضد المستعمر واعداء الحرية.
سُلبت حرية هذا المناضل العنيد مرات عدة ، ولسنوات ممتدة ، وفي كل مرة منها يزداد رصيد شعبنا قصائد حب ، وجمال ، وحرية ، قصائدٌ ستبقى جميعها تنطق فصيحة اللسان ، عظيمة البيان الى سنوات أبدية .

طريقنا
في أحد أعداد نشرة الجماهير سنة 1965 ظهرت وعلى صدر صفحتها الأبيات التالية : طريقنا أنت تدري
شوك ،وعر ، عسيرُ
موتٌ على جانبيه ،
لكننا سنسيرُ
إلى الأمام ، إلى الأمام ، إلى الأمام سنسيرُُ …
سنمضي ، سنمضي إلى ما نريد
سنمضي لنبني أوال الجديد
سنمضي ، سنمضي إلى ما نريد
وطنٍ حرِّ وشعبٍ سعيد

وبعد أن وقعت عليها عينا الموسيقار المناضل مجيد مرهون ، تفاعل و لحن حينها هذا الشطر من نشيد طريقنا بالميلودي المعروف ، وأخذ يردده بين رفاقه. وبعد محاكمته و دخوله السجن سنة 1969 أضاف اليه الجزء “ب” من النص الشعري واللحني وصاغ من كلماته وألحانه شطراً جديداً ، ظهر كما نعرفه جميعاً اليوم :
فهبوا جميعا أسود النضال
وضحَوا وثوروا لأجل أوال
وزكوا دماءً وحققوا المحال
لتحرير شعبٍ من الاستغلال

حاز هذا النشيد على أفئدة قطاع المناضلين والمناضلات البحرينيين بمختلف انتماآتهم السياسية والفكرية ، وظل يردد من قبلهم في كل لقاء واحتفال داخل البحرين وخارجها ، ولقوة تعبير الجملة الموسيقية ولامتلائها حماس ، ظهرت مفردات وأبيات من الشعر على السياق اللحني للجملة في مناسبات مختلفة ، و في أحيان عدة تعرض هذا النشيد لإضافات قسرية سرعان ما إنفكت عنه .
ثم وفي العام 1985 حين التقى أحمد الشملان برفيقه مجيد مرهون بين جدران المعتقل . التقيا وتناغمت سوياً فنون الموسيقى والشعر المقاوم ، فكتب الشملان الشطر الثاني من هذا النشيد – صاغه أهزوجة ثورية جامحة ، احتفاءً بمرور ثلاثون عاما على نضال و تأسيس جبهة التحرير الوطني البحراني ، وجاءت كالتالي :

يا جبهة التحرير سيري
نجماً يضيء الدروبَ
وعلًمي الكادحين ، كيف انتصار الشعوب
وشعبنا ، عمالنا ، معلمٌ في الخطوب
ثلاثون عاماً سقاها النضال
صمودٌ وعزمٌ شديد المحال
سقاها انتصارٌ وعزمٌ جديد
لوطنٍ حرِّ وشعبٍ سعيد

ومن الإضافات الشعبية التي التحمت مع النص خلال هذه الفترة الطويلة وأصبحت جزء منه ،هذان السطران من الأبيات التي جاءت كالتالي :

*****
شعبٌ عظيمٌ شعبُ أوال
يهزمُ الصعابَ ، يهزُ الجبال
لهُ تضحياتُ الخلودِ والجلال
لهُ الشمسُ تُشرِقُ دونَ زوال

وهكذا اكتمل حينها نشيد طريقنا على النحو الذي ذكرت . النشيد الذي سيبقى مخلداً ضمن التراث والذاكرة المضيئة و الخالدة لشعبنا .

كانت معانات المعتقلين وتحديهم تجد في الكتابة الشعرية سبيل للتعبير ، ما تلبث أن تتحول أغانٍ وأناشيد ، لتصبح بعدها مصدراً من مصادر الصمود والقوة ، تضمد الجراح وتشد الأزر ، وتعزز إيمانهم بقضيتهم .
فمن القصائد التي تحولت إلى أغانٍ ، قصيدة “حبيبتي“و التي كتبها المناضل الأديب عبد الحميد القائد ، في 21فبراير 1972 ، في ليلة ممطرة قضاها في زنزانة رقم واحد ، في ما يدعى بعنبر “بيت الدولة ” بجزيرة جده ، حيث التقى مجيد مرهون صباح اليوم التالي وتلاها على مسامعه ، ليتفاعل معها مجيد بإحساسه المرهف ساكباً الدمع من شدة التأثر ، ومعلقاً ، “إنها قصيدتي يا حميد “!.

” إنها قصيدتي يا حميد ! ” قالها مجيد ثم بدأ مشوار تلحينها وأكمل بناءها اللحني بين فترات متباعدة . ومن شدة تعلقه بها لم يجد حرجاً من إضافة بيتين إلى هذه القصيدة ، وكأنه الكاتب يعيد صياغة ما كتب ! . و لتنطلق من السجن حينها ترفرف ، أغنية صادقة ، مليئة بالعواطف والأماني ، وبصوت يفيض مشاعر دفء وحزن وشجن . يغني مجيد ، حبيبتي !!! فكم ياترى له من حبيبة ؟ . وتتلقاها الآذان داخل البحرين وخارجها بشغف حنون وبتقدير وإحترام لهكذا نوع من الإبداع الفني .

حبيبتي ،
وأنتِ تغرقينَ في بحيرةِ الأحلامِ والعطورِ
والدفءِ والصفاءِ والسكينة،
هل تذكرينَ فارساً غيبهُ الليلُ عن المدينة؟
محملاً بأجمل القصائد
حبيبتي ،
وأنتِ تنعمينَ بالأماني في فراشكِ السعيد
تذكري مُحبكِ البعيد
يصارعُ الرياحَ والقراصنة،
ويغزلُ القمصانَ للربيع .
وهاتفاً من صوتكِ الحنون،
يزرعُ داخلي طحالبَ الجنون،
وشمسُكِ الدافئة البعيدة ،

واللهفةُ الجامحةُ العنيدة
“سعيرُها يظلُ في أوار
معزوفتي الضامئةُ الأوتار”
حبيبتي،
ورغمَ ما في قلبكِ الصغيرِ من جفاء
ورغمَ ما تُبدينَ من دلال،
يا أجملَ النساء ،” يا أقربَ الأحباب ، يا أجملَ الورود”
تذكري مسافراً غابَ عن الوطن،
ففي غدٍ يعود ، وفي يديهِ باقةً من الورود.


كُتبت خلال السنوات الأربعين الماضية العديد من قصائد الحب الوطنية المعبرة ، صاغتها قريحة شعراء البحرين وأدباءها . و لكن يبقى أن هناك قصائد وأناشيد غنائية لُحنت ، وبقية أسماء كُتابها ومُلحنيها في طي الكتمان لأسباب كانت أمنية بحته.
ومثالٌ على ذلك إنشودة “يا درة الخليج” من كتابات الشاعر الشهيد سعيد العويناتي أثناء دراسته ببغداد ومن ألحان الفنان العراقي المبدع جعفر حسن والتي تقول :

يا درة الخليج يابلادي
يا شعلة الخليج يابلادي
يا حلوة النبال ، هيا إلى النضال
بالدم والفداء ، هيا إلى الكفاح ، يا بلادي
نقتحم السجون والمعاقل ،
ونكسرُ السلاسل
لأننا كالطود ، كالبناء ، كالمعاول
يا حلوة حفرتها بالدم في شوارع المحرق القديمة
يا حلوة حفرتها بالدم في شوارع المنامة القديمة
بالدم في المصانع ،
بالدم في المعاقل ،
يا حبيبتي ،
يا شعلة الخليج يا بلادي،
البحرين


كان للإتحاد الوطني لطلبة البحرين فرع الكويت أبان السبعينيات دور مميز في العطاء الوطني ، إنعكس بالإيجاب على الإبداع الفني في البحرين، وساعدت بيئة الكويت الرحبة في السماح لنموه ، وأثمر هذا النشاط الفني مبدعين في الكتابة والتلحين والأداء مثل خالد الشيخ ومحمد يوسف ويوسف الحمدان و أحمد العجمي وعلي الديري ويعقوب يوسف ، وعيسى جعفر ، ومريم زيمان ، والكثير من المؤدين والمشاركين في اللوحات التعبيرية للأبريتات ، سواءً بأدائهم الفردي أو ضمن فرق العروض والكورال . إذ ساهمت تلك الطاقات و بحماس شديد ، في صنع وأداء قوالب الأغنية الوطنية بتنوع أشكالها الأدبية والفنية.وقد شملت مساهمات لعناصر نسائية ورجالية أعطت للأداء الفردي والجماعي زخم وعنفوان يعز علينا حضوره و نفتقد الآن نكهته.

أثمر النشاط الفني لطلبة البحرين – فرع الكويت ثماراً تبعث بالفخر والإعتزاز ، وكان لتجربة محمد يوسف وخالد الشيخ في البوم عذاري و المجموعتان التان تلته ، ريادة وحضور مؤثر في رسم وتوجه الأغنية الوطنية في البحرين ، ومن المؤسف توقف تجربتهما المشتركة عند ذلك الحد . كما ولتجربة يوسف الحمدان في كتابة الأبريت الغنائي و تعاونه مع علي الديري ومريم زيمان في تلحين وأداء كلماته ، وإن إقتصر ترديدها وسط حلقات ضيقه ، و في عروض الحفلات الطلابية ، إلا أنها أكملت صورة النضج الفني الذي تحلى به هذا الوسط الطلابي بحيويته وولاءه للوطن .
وأدعوكم الإستماع إلى جزء من هذين النموذجين :

أقدم لكم نموذجين :
1- “وطني أوال” من كلمات الشاعر أحمد العجمي – الحان الفنان يعقوب يوسف

وطني أوال ،
وطني الذي قد غردت له الطيور ،
وسجل التاريخ أسماء له ،
فوق السماء ، في النخيل ، وفوق أمواج البحار
وطني أوال ،
يا تراب الغد الخطيب
يا شمسنا لن تعرف المغيب
عندما نحتضن ، وتضحك الزهور في موسم الربيع
أمي ويا قبلتي في الحياة
سأحميكِ من غارة المعتدي
وأدفع عنكِ جيوش الغزاة
وأعطكِ يدي
إننا نفديك أرواحنا
لنوقد الأمل ، ونسقيكِ الدماء
وقطرة المطر
فأنتِ حبنا

أداء:فرقة صوت عذاري

نموذج 2:
– “في ظلام الليل” من كلمات الناقد يوسف الحمدان – الحان الفنان علي الديري

في ظلام الليل ،
في أحلك ظلام ،
إنتظرنا يا أوال فرحة عرس
تجعل الليل نهار ،
شمسهُ لا تغربُ
نورها في كل دارٍ ، في الظلامِ ساطعٌ
إنتظرناها سنين ، دون يأسٍ أو كلل
إنتظرناها وقلنا ،
كل صعبٍ قد يهون
إنتظرناها وكنا ننتظر صوت البشير
إنها فرحةُ عرس ، فرحة الطير الطليق
إنها قبلةُ حب ، قبلةُ الشوقِ الكبير
إنها دارُ سلام ، للطريدِ والغريق
كيف ننساها ونحن قد نسجنا ثوبها ؟
كيف نهجرها ونحن قد فتحنا بابها ؟
كيف نهلكها ونحن قد صنعنا زادها ؟

فقريباً سيزولُ كل الضباب
وقريباً ستهون كل الصعاب
وتطوف الفرحة في كل البقاع
سيدوي الفجرُ حتماً صادحاً،
اليومُ زفاف ، اليومُ زفاف.

وأستمر نشاط هذه الكوادر الفنية في هذا النوع من الإبداع بعد عودتها الى البحرين من خلال فعاليات المسارح و الأندية الوطنية ، وأثمر تجارب مميزة ، لها أهمية كبيرة ضمن مسار الأغنية الوطنية في البحرين .

وكان لفرع القاهرة العنفوان والفعل نفسه . وقد ساعد وجود عدد من الطلبة المتخصصين بدراسة فنون الموسيقى ، في الخروج بإبداعات فنية ذات قيمة عالية ، تركت أثرها الواضح على الأغنية الوطنية في البحرين ، تكللت بصدور ألبوم سلس ومحبب لاذن المستمع في الخليج عامة ، وفي البحرين على وجه الخصوص . وهو
ألبوم “مشموم وين الشعر” من ألحان وأداء الفنان المبدع أحمد الحداد ، ومواويل الشاعر علي عبدالله خليفه ، من ديوانه الرائع “عطش النخيل”. أغانٍ تلقفتها الآذان وأحسنت الإصغاء لها . حلق بها الحداد عالياً ، ولا زال الحداد يحلق في فضاء واسع !.

كما كأنت هناك أغانٍ تكتب وتلحن ، تُرادِف في تناولها ما شاع بين الوسط الطلابي بالكويت من إهتمام بالأغنية الوطنية . ساهمت كوكبة من الموهوبين في صنعها ، مثل محمد باقري ، وحسين الموسوي ،وعيسى ملكة ، وإبراهيم عيسى العلوي ، وحسين الحليبي ،وبسام الذوادي ،ويونس علي أحمد ، وهدى عبدالله ، ، وعبد الرحمن حسين ، وخليفة زيمان وغيرهم من المهتمين بالإضافة إلى المساهمة الفعالة والناضجة للفنان اليمني المتميز جابرعلي أحمد .

وهذه بعض النماذج :

أرضنا تلد الأسود
شمسنا ، شمس الخلود
ليلنا وعود ،
في بيوت الكادحين ،
يسرقون العدى المنام
يسرقون الإبتسام
يا بذور الشر موتي
يا جذور النخل عيشي
لنسيم الإنتقام
مارس يا أمل الطريق
أنت للشعب دليل
والدرب طويل

من كلمات إبراهيم عيسى العلوي
لحن أوربي ، إعداد موسيقي : محمد باقري

أن أموت وتبقى عاليا يا نخل موطني المجيد
تلك قسمتي التى لها أبقى أو أباد
شعبنا المعطي الأبيُ
صامداً كالطود كالحديد
ياحثاً عن عالماً زاهياً وطناً سعيد
النضال الصعب دربنا لغد زاهر جديد
إرهابهم لن يخيفنا ،
نحن أقوى،
ولن ، ولن نحيد
جرحنا إن طال شافيا ، حين تنزاح القيود
لنغني ما إستطعنا ، لندع صمودنا يزيدُ
أوالاً يا زهرا بقلبي يا حبي الوحيد
إننا دما وروحا نبني الصرح العتيد
ليظل الفجر دوما مشرقأ
لشعبك العنيد

كلمات وألحان : من داخل البحرين
تنفيذ طلبة القاهرة

بحرين يا أم النضال العنيد وراية السلام
يخوض غمار الصراع المجيد عمال ، أحرار
كل الشعوب في يوم التضامن حية النضال
في موطني حية الكفاح
لا لن نهاب تلك الزنازن ،
لا لن نخاف تلك السجون
بحرين يا أم النضال العنيد وراية السلام
يخوض غمار الصراع المجيد عمال ، أحرار
نحن الشبيبة ، نرقب الشروق
اليوم قريب ، نرقب الشروق
المعتقلون شعلة الوطن تنير طريق نضالنا العظيم
بحرين يا أم النضال العنيد وراية السلام
يخوض غمار الصراع المجيد عمال ، أحرار
كلمات : ؟
من ألحان حسين الموسوي


بلادي أوال يا شعلة النضال ،
يازهرة الحياة ، وعزة الجلال
قاومي الظلام ليأتي الضياء ،
جففي الدموع وعانقي السماء
غني للجذور وحدي الجموع ،
أحضني الورود أوقدي الشموع
في ذكر شباط يرفرف الحمام
وتنشر الطيور تحية السلام
جبهة التحرير قلعة الصمود
زيتونة الربيع ومنبع الأسود
كلمات : حسين الحليبي
من الحان : جابر علي أحمد

ياتربتي، يا موطن الحق يا نور الحياة
ياتربتي، يا غدير الحب يا سر الحياة
غايتي ،أعشق فيك أهلك الطيبين
نور سماك والطبيعة ،
أرقي في الليل وانتِ حزينة
بذركِ دموع الصبر الحزينة
لن يطول الليل يا موطني
لن يطول يا قلعة الحياة
هاتفاً جاء ينادي للحياة
ويقول سيظهر الشروق
سيعود نسيم الحب ،
سيظهر الشروق

كلمات ؛ ؟
من الحان حسين الموسوي

أما تجاربي الشخصية مع هذا النوع من الأغاني والأناشيد فقد بدأت مع مشاركتي الفنية في أنشطة نادي الجيل الثقافي والرياضي بالمحرق بين 70-1974. ولا زلت أذكر أحد المنلوجات التي كتبتها مستعيناً بموسيقى للحن تركي معروف ، والذي سمعته كذلك يغنى بكلمات إيرانية . وجاء كالتالي :

طق المطر يا خالي ،
طق وخرب لي داري
رحت آدور على اسميت ،
قالوا لسميت أو غالي
جم مرة آروح السوق تدري أيش جرى لي
آشوف لسميت للتجار شحنوا لواري
وآنة بقيت لي نص كيس بارقع داري
قالوا لسميت مب ارخيص يا خالي

خلال دراستي في بغداد 1974 – 1977 كانت أهم تجربة لي مع الأغنية ، هي تلحين قصيدة ” دمع الدفاتر حبر ” التي كتبها الشاعر العراقي كاظم الرويعي ، يرثي فيها صديقه وزميل دراسته الشاعر الشهيد سعيد العويناتي . القصيدة التي نزلت على الصفحة الأولى من جريدة “طريق الشعب” ببغداد بعد أيام من إستشهاده. و التي جاء نصها يقول :
إلى الشاعر الشهيد سعيد العويناتي
الشاعر: كاظم الرويعي الحان : سلمان زيمان بغداد – ديسمبر 1976

دمع الدفاتر حبر … أو مرن إطيوفك
أو صبر المنابر شعر … من تشتهي شوفك ..
يا لعابر الظلمة .. الجبين هلال …
بالسيف جفك فتح مستقبل العمال ..
موال …
غناك النفط .. موال ..
وأنتشر صوتك ..
على سيف الرمل شلال …
وأفتحت باب الشمس ،
بالليل ..للأجيال …
أوما بين نشيده أو نشد ..
أبلونك نشوف الكاع …
يمسافر أويه الزلم ،
راية .. أو بحر .. واشراع …
تصرخ ، هلي .. يا هلي ..
الساعة تدك الساع ..
تعله الثعالب لون … تخله الفله أمن أسباع ..
أو لاكيتك أبهيبتك ،
أتعبر السفن بحرين ..
باجر أبعينك يشع ،
وأبدمك البحرين …
أو خافوا هتافك يصل ..
أو تكبر أجراس العمل …
أو حفروا أبدمك نهر ..
لن الدمه ياقوت !!
أو غنت صداك الأرض .
والصوت يشبك صوت …
ولسه ترن جلمتك ..
وأتظل ترن جلمتك ..
لجل الحياة انموت … لجل الحياة انموت …

ثم عدتُ الى البحرين في منتصف العام 1977، حيث تم منع عدد كبير من الطلبة الجامعيين وحرمت معهم من العودة الى كرسي الدراسة ، ومن مغادرة البحرين عندما سحبت جوازات سفر مجموعة من الطلبة الدارسين بالخارج.
وكان للأغنية حينها حضور ، يجبر الخواطر ،ويشد من الأزر . وقد يعتري النصوص بعض الركاكة اللغوية ، إلا أن لها فعلٌ كان ، ودور وطاقة إستطاعت أن تبوح بها ،وتنجزها بجدارة . وهي تفصح عن مرحلة ، ومثال لمستوى الأغنية والإنشودة في تلك الحقبة.

خلينا نغني يا طالب ياللي ممنوع من السفر
ما بتقدر كل فعايلهم تسد زخات المطر
خلينا نغني ، ونصمد هذا مو أول قهر
إحنا يا ما غيبوا عنا أهل مثل القمر
أصمدو اشكد ولا زالوا ينشدون الفجر
صج يا طالب خلوا الديره سجن
مطاردين بكل ممرات أو ركن
لكن إحنه يا ما علمنه الصبر
والأمل يكبر في كل طلة حزن

ثم كتبت أغانٍ للعمال والشبيبة ، ضاع بعضها بالكامل في قاع الذاكرة ، وبعضها أحتفظ بالألحان ، وتهرب مني أجزاء من بناءها النصي .
وهذه نماذج من المحفوظ في الذاكرة:

للشبيبة حبي يكبر
كلمات وألحان سلمان زيمان / 1977
للشبيبة حبي يكبر ، وتكبر الفرحة معاه
رحت آدور عن قمرنا ، شفت الشبيبة سماه

في كل فريج في كل دار
زرعنا أملنا أمطار

في المنازل ، والمصانع
في المقاهي ، والشوارع

ورودنا تنثرعطرها في كل حارة
وعند كل دار

********************************

يا شبية يا حبيبة ، توحدي لأجل أوال
شمسنا شمسٌ فريدة ، إتوهج دروب النضال

وحدة هدف وحدة دار
نحمي بلدنا بالنار

تعلى الراية الأبية
راية الوطن لا للطائفية

طيور بلدنا غردت لحن الشبيبة
عند كل دار


أشدب الحلوين بيَّن كلمات وألحان سلمان زيمان / 1977
أشدب الحلوين بيَّن ، هبوا يلَّه للنضال
شمس وسلام ،
قوة ما تنام ،
عزم ما يتعب ،
كلما توصلني هدية ، من أشدب إتلامس إيديَّ
أشيل للعالم وصية ، هبوا يلَّه للنضال
*********
وزعوا كل الشبيبة
وافرحوا أهل الجزيرة
اليوم مجلتنا العزيزة
بشارة عمر وانتصار



عمالنا ، أمل أطفالنا
كلمات وألحان سلمان زيمان /1978
عمالنا ، أمل أطفالنا
هاتوا اكفافكم تعالوا نصنع الوحدة بحديد
هاتو اشفاهكم وقبلوا جبهة الحزب الجديد
حيوا معانا الرفاقه ،
في موسكو وامريكا ، والمنامه
وهللوا للعمال ، في إنتفاضة العمال
ياهلا بالعمال ، ياهلا بالعمال
عمالنا ، أمل أطفالنا
هاتوا اكفافكم تعالوا نصنع الوحدة بحديد
هاتو اشفاهكم وقبلوا جبهة الحزب الجديد
إحنا شعلنا على لشموع ، شمعة
معاهم حمامة ، شاعر ذا إرادة
وهللوا للعمال ، في إنتفاضة العمال
ياهلا بالعمال ، ياهلا بالعمال


وتنوعت مواضيع الأغنية الوطنية يتجربتي ، أما آخر أغنية كتبتها ولحنتها فكانت في في سبتمبر من العام الماضي 2004 وجاءت رثاء للشهيد الطبيب هاشم العلوي ويقول نصها :

يا ساكن في هواك
***
صوت الوطن ناداك
خذت الفرح وياك
***
يا ساكن في هواك
خليتني في البردِ والونّات
واشعلت في القلب نار وكيات
***
يا ساكن في هواك
مرج النخل يهواك
ورد الثرى غناك
***
يا ساكن في هواك
يا مسيِّر الروح ، هاشم يا دانات
للوطن راية ، وحرية ، وحكايات
***
يا ساكن في هواك
مرج النخل ناداك….
هاشم لا ما ننساك ….
كل القلوب تهواك ….
لا بالله ما نسلاك …
ورد الثرى غناك …..



يطول الحديث ويذهب عميقاً ، حتى يفي كل التجارب المترامية الأطراف في هذا الحقل. وما تقدم ليس إلا موجز ومقتطفات من رحلة أعنيتنا الوطنية في البحرين ،أتمنى أن يجتهد الجميع في حفظ وتوثيق ما لم يزل باقٍ منها في الذاكرة ، وتحفيز ذاكرتنا لاستعادة ما ترسب في قاعها بفعل الزمن الأغبر، حفاظاً على ممتلكاتنا الثقافية والوطنية .


سلمان زيمان  

ترك الرفيق سلمان زيمان تراثاً سيبقى

=

أربع دندنات حول إلتماسات الوجهاء ومناشدات النواب – 3

الدندنة الثالثة :  المزاح المتاح في البرلمان

حين وصل أعضاء مجلس النواب الحالي إليه كانوا يعرفون أن مجلسهم شكلي وأن الدور المطلوب منهم أن يؤدوه لا يتعدى المساعدة في إضفاء هالة “الشرعية” على النظام. فهذه هي الحقيقة التي عرفها من قبل جميع من شاركوا في المجالس النيابية السابقة بعد إصدار دستور 2002 .

فحسب ذلك الدستور أعطى الملكُ لنفسه سلطات تصل إلى مستوى السلطات المطلقة التي كان يتمتع بها سلاطين وملوك عهود الاستبداد في القرون الوسـطى. فملك البحرين حسب دستوره هو “رأس الدولة، والممثل الأسـمى لها ، وذاته مصونة لا تُمَس، وهو الحامي الأمين للدين والوطن ورمز الوحدة الوطنية”. وللملك حق التصديق على القوانين، كما أن له حق إصدار ما يشاء منها أو تعديلها بمراسيم ملكية وقتما يشاء.  وفوق ذلك حصر دستور 2002 في يد الملك وحده صلاحيات تعيين رئيس الوزراء والوزراء والسـفراء والمحافظين والقضاة وأعضاء مجلس الشـورى وأعضاء المحكمة الدسـتورية ومحافظ البنك المركزي وقادة القوات المســلحة و الأمن والحرس الوطني إلى آخر ماهو قائم وما قد يستجد من وظائف عليا.

لقد كان واضحاً من مجريات النقاشات التي جرت تمهيداً للإستفتاء على “ميثاق العمل الوطني” 2000-2001 أن العائلة الحاكمة لم تكن ترغب في أن يتولى المجلس النيابي المنتخب مهمات التشريع أو الرقابة على السلطة التنفييذية أو مساءلتها. ومع ذلك لم يستطع من صاغ الدستور أن يضمِّنه مواداً تنص صراحة على منع مجلس النواب من محاولة التاُثيرعلى السلطة عبر تشريع القوانين وعبر مراقبة السلطة التنفيذية ومساءلتها. فلجأت السلطة إلى وضع الكثير من المعيقات السياسية والإجرائية التي جعلت البرلمانات المتتالية منذ 2002 وحتى الآن تفشل في أن تُؤَثر أو تُراقب أو تُسائِل أو تُشرِّع.

من بين المعيقات السياسية التي أسهمت في ذلك الفشل وإستمراره هي التفاهمات المعلنة وغير المعلنة بين العائلة الحاكمة وممثلي مختلف التعاضديات ذات الـتأثير. تمت بعض تلك التفاهمات عبر المكرمات والعطايا أو عبر صفقات المقايضة السياسية. وجرى تسويق تلك التفاهمات تحت رايات عديدة تباينت شعاراتها: “طاعة ولي الأمر” و”درء المفاسد ودفع الضرر” عند أطراف، و”وحدة إرادة الملك والشعب” و”المحافظة على إستمرار وتيرة عجلة الإصلاح السياسي” عند آخرين. إلا أن تباين الشعارات لم يؤدِ إلى إختلاف فوائدها السياسية وغير السياسية على من رفع تلك الرايات وعلى السلطة.

بقوة تلك التفاهمات إبتدعت السلطة منذ 2002 “أعرافاً برلمانية ” جعلت مهمات التشريع والرقابة والمساءلة خارج صلاحيات مجلس النواب. وحسب هذه الأعراف صار بإمكان المجلس النيابي في البحرين أن ينشغل بما يشاء من شئون فيما عدا التشريع ومراقبة السلطة التنفيذية ومساءلتها. وحتى في تلك الشئون التي يُسمح لأعضاء مجلس النواب الحديث فيها فثمة حدود لا يمكنهم تخطيها. وهي حدود تفصلها نصوص وتفسيرات اللائحة الداخلية لمجلس النواب التي صاغتها الحكومة لهم وصدر بها مرسوم ملكي. أما حين يتجاوز نائبٌ/نائبة، عمداً أو سهواً، أحدَ تلك الحدود فعليه مواجهة تقريع رئيس المجلس وإمتعاض السلطة

الحاصل، أن شروط العمل النيابي قاسية وتفرض قيوداً مشددة على حركة النواب في حال أرادوا ذلك. وفوق ذلك فعلى النواب أن يتقبلوا من جهة إستخفاف الوزراء بهم وسخرية ناخبيهم منهم. رغم ذلك يحاول بعضهم أحياناً أن يفعل شيئاً.

ولهذا قد يجد نائبٌ/نائبة أسبابأ تدفعهما إلى توجيه إستفسارٍ لوزير حول شأن من شئون وزارته وخاصة إذا كان الوزير من غير العائلة الحاكمة. ولكن تقديم الإستفسار لا يضمن الحصول على إجابة. حينها قد يصِّر النائبُ/النائبة على مواصلة المحاولة فيسعى لتحشيد آخرين من زملائه لإستجواب الوزير المعني.

إلا أن السلطة لا تقبل تعريض وزير/وزيرة إلى الإستجواب. فما تزال ماثلة في أذهان كبار العائلة بمن فيهم الملك وعمّه رئيس الوزراء موقف أعضاء مجلس الوطني 1973-1975 الذي أجبر وزير العدل وهو كان من كبار العائلة الحاكمة على الإستقالة بسبب سوء تصرفاته وتجاوزاته.

تعرف السلطة أن لمجلس 1973- 1975 ظروفاً وتركيبة ومعطيات تختلف عن ظروف وتركيبات ومعطيات المجالس النيابية التي تشكلت في ظل دستور 2002 الملكي. رغم تلك المعرفة فهي لا تريد المخاطرة بترك الحبل على الغارب حتى ولو كانت واثقة تماماً من سيطرتها على آليات عمل المجلس وعلى أعضائه.

 نعم، قد تمازح السلطة النواب حول أمور كثيرة إلا أن الإستجواب هو من الأمورالتي لا مزاح فيها. ولهذا ولكي لا تُحرج الحكومة، أدخل مجلس النواب بنفسه تعديلاً على لائحته الداخلية لا يسمح بإستجواب وزير أو وزيرة إلا بعد سلسلة من الإجراءات المعقدة من بينها موافقة لجنة خاصة تقوم بـ “فحص جدية الإستجواب”. وحتى الآن لم تجد اللجان المتتالية جدية في أيٍ من محاولات النواب لإستجواب الوزراء.

وهكذا فلا غرابة ألا يجد النواب في البحرين وسيلة لتمضية الوقت سوى الدخول في نقاشات ومعارك كلامية في الجلسات العامة وفي قاعات اللجان المتخصصة. ينقل الإعلام الرسمي بعضأ من النقاشات ويشير إلى تلك المعارك. ومن جهتهم ينقل النواب المعنيون عبر وسائل التواصل الإجتاعي أجزاءَ حماسية من مداخلاتهم في تلك الجلسات لطمأنة قلوب مناصريهم وللتمهيد لإنتخابات قادمة.

من الإنصاف الإشارة إلى أن بعض تلك النقاشات والمداولات تتمخض أحياناً عن تشكيل لجان تحقيق في هذا الموضوع أو ذاك. وخاصة إذا كان المقصود بالتحقيق وزارة “غير سيادية” ولا ينتمي وزيرها إلى العائلة الحاكمة. بعد ذلك تأخذ لجنة التحقيق ما تحتاجه من وقت. فقد تحتاج أسابيعاً أو شهوراً قبل أن يكتب الموظفون والمستشارون تقريراً تتم مناقشته حسب الأعراف السارية. فيفرح الجميع.

و يبلغ الفرح، أحياناً، أقصى مداه حين يتمخض تقرير لجنة التحقيق والماقشات حوله عن توصيات يتم التصويت عليها. لهذا أصبحت التوصيات النيابية هي غاية المنى. بل هي قمة العمل البرلماني. فبتلك التوصيات يستطيع النائب/النائبة المفاخرة أمام الناس تمهيداً لترشحهما في إنتخابات القادمة. يكرر النائب/النائب المفاخرة بالتوصيات حتى مع علمهما أن السلطة لن تأخذ بتلك التوصيات ولن يتولد عنها تغيير تشريعي أو إداري.

تتضمن “الأعراف البرلمانية” السارية منذ 2002 وخاصة حين يكون موقع الوزير/الوزيرة المستهدف متدنياً في الهرم الوزاري أن يقوم النائب/النائبة بإصدار بيان مختصر يعبر عن غضبهما ينشرانه عبر وسائل التواصل الإجتماعي. . وفي حال توافرت مواصفات معينة في النائب أو في الوزير المستهدف فقد تقوم الصحف الرسمية بنشر البيان. إلا إن “الأعراف البرلمانية” تحصر صياغة البيان الغاضب في قوالب معروفة. فهو قد يأتي في صورة أسئلة متتالية موجهة للوزير حول قضية عامة من قبيل “ألا تعلم أن التركيبة السكانية قد تغيرت….؟”. أو قد يأخذ شكل تهديد مبطن من قبيل “سوف نشكل لجنة تحقيق…” أو “سوف نتوجه إلى تقديم سؤال نيابي….”.

المناشدات و إستكمال اللعبة البرلمانية

حين تفشل محاولات منع الوزير من الإستخفاف بأسئلة النائب/النائبة وتوصياتهما وبياناتهما فلن يجدا مفراً من أن يُشْهرا عليه أخطر الأدوات العمل البرلماني المتاحة لهما. ويأتي هذا السلاح في صورة مناشدة يقفز بها النائب/ النائبة فوق رأس الوزير ليوجهها مباشرة إلى رئيس الوزراء أو ولي العهد أو إلى الملك نفسه.

ليس بعد المناشدات الموجهة لواحدٍ من ثلاثي “القيادة السياسية” مجالٌ للمزاح. تختلف مواضيع المناشدات من أمور الصحة أو البيئة إلى التوظيف إلى الخدمات إلا إنها تأتي في قوالب جاهزة تتقبلها السلطة. فلابد من توجيه المديح ل “القيادة السياسية” ولا بد من التأكيد على الثقة في حكمة القرارات التي ستتخذها بعد قراءة المناشدة لها “بالتدخل الحاسم في قضية (… إملأ الفراغ…) وإعطائها بعدها الوطني وبما تستحقه من جدية وألا يترك مصير (.. إملأ الفراغ…)  في أيدي متنفذين يمارسون نهجاً مدمراً على أسس أصبحت مكشوفة للجميع

أعطت “المناشدات” التي يوجهها النواب إلى السلطة في وسائل الإعلام وعبر وسائل التواصل الإجتماعي بعداً إضافياً للتكاذب كأداة لازمة من أدوات العمل السياسي في العهد الملكي. يعرف النائب/النائبة حين يكتبان مناشدتهما أن “القيادة السياسية” هي نفسها التي رسمت السياسة العامة وإتخذت القرارات التي يشتكي النائب/النائبة منها. بل هما يعرفان أيضاً إن “القيادة السياسية” هي التي إختارت ذلك الوزير وطاقمه لتنفيذ سياستها ومتابعتها. ولكن النائب/النائبة يتظاهران إنهما يجهلان ذلك كله فلا يشيران إليه. من جهتها تعرف “القيادة السياسية” أن النائب/النائبة يلعبان دورهما البرلماني حسب شروطها. وهي تعرف أن أقصى ما يريدان هو الدخول مع الوزير في معركة كلامية ينقلها الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعية.

بعد جهودٍ شاركت فيها مجالس النواب المتتالية منذ 2002 إكتملت شروط اللعبة البرلمانية في البحرين. وصار من حقوق النواب المكتسبة مماحكة الوزراء من خارج العائلة الحاكمة ضمن حدود ضيِّقة تقررها الأعراف البرلمانية واللائحة الداخلية والتفاهمات التي أوصلت هذا النائب أو تلك النائبة إلى المجلس. تزداد تلك الحدود ضيقاً في كل دورة برلمانية وتتقلص جراء ذلك قدرة النواب على تحقيق إنجاز حفيقي في قاعة المجلس النيابي وعن طريق إستخدام الأدوات المتاحة لتشريع القوانين والرقابة على السلطة التنفيذية ومساءلتها.

بسبب قلة إنجازات العمل البرلماني يواجه النواب صعوبتيْن. الأولى هي إقناع الناس بجدوى بقاء المجلس النيابي بالشروط الذي تكبله بها المراسيم الملكية والأعراف البرلمانية التي أُستنت طبقاً لدستور 2002. الصعوبة الثانية هي إقناع الناخبين بجدوى إعادة إنتخابهم بالذات وهم الذين إرتضوا أن تتحكم السلطة التنفيذية ومن خلفها الملك وعائلته بقراراتهم وصلاحياته

لمواجهة هاتيْن الصعوبتين يتحاشى النواب الحديث، ناهيك عن العمل، عن تعديل الدستور الملكي وإلغاء القيود التي تفرضها المراسيم الملكية المتتابعة بما فيها اللائحة الداخليةعلى العمل البرلماني.   بدلاً من ذلك ترتفع بورصة المناشدات التي يطلقها النواب فرادى أو جماعات لتتناقلها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي. على أمل أن يظن الناخبون أن نائبتهم/نائبهم قد حاولا أن يفعلا شيئاً. ولقد رأينا كيف أصبحت المناشدات، وليس التشريع والمراقبة، ملاذاً يستطيع النواب اللجوء إليه كلما تمادت السلطة في إستبدادها وكلما وصلت إلى قمتها مشاعر الإحباط والغضب بين الناس.