في بداية هذا الشهر، خفضت “وكالة موديز للتصنيف الائتماني” تصنيف السعودية من مستقر إلى سلبي. وأرجعت الوكالة ذلك التخفيض إلى ارتفاع المخاطر المالية التي تواجهها السعودية، بسبب انهيار أسعار النفط، والغموض بشأن قدرة الحكومة على تعويض خسائر عائدات النفط، واستقرار ديونها على المدى المتوسط. ربطت الوكالة هذا التصنيف السلبي بأمرين: أولهما المخاطر التي تحيط بالأوضاع المالية السعودية جراء تزامن الهزة الناجمة عن انخفاض الطلب على النفط وتدهور أسعاره مع تداعيات جائحة كورونا. وثانيهما الشك في قدرة الحكومة السعودية على معالجة تداعيات خسائرها في سوق النفط وعجزها عن ضبط أعباء ديونها.
يضيف تقرير وكالة “موديز” الأخير خطوطاً حالكة إلى الصورة المظلمة التي يتداولها دارسو الوضع الاقتصادي السعودي. وهو وضعٌ تدفعه عوامل كثيرة، منها سوء الإدارة والارتهان إلى الخارج، نحو أزمة اقتصادية لم تعهدها البلاد منذ دخولها عصر النفط. فقرار السعودية الأخير بالالتزام بخفض إنتاجها من النفط يعني – حسب تقديرات متفائلة – أن عوائدها ستنخفض بنسبة 33 في المئة في هذه السنة، وبنسبة 25 في المئة في السنة القادمة مقارنة بعائداتها النفطية في 2019. سيتبع ذلك انخفاض إجمالي الناتج القومي، وتسارع إنكماش عوائد قطاعات الإنتاج غير النفطية التي يعتمد نشاطها ونموها في السعودية، كما في بقية بلدان الخليج، على الإنفاق الحكومي.
“إجراءات صارمة… شديدة ومؤلمة لكنها ضرورية”
في الثاني من هذا الشهر (أيار/ مايو) أعلن وزير المالية السعودي أن حكومته “ستتخذ إجراءات صارمة جداً، وأن هذه الإجراءات قد تكون مؤلمة”. فالسعودية، حسب الوزير، تواجه أزمة لم تواجهها من قبل. فإيراداتها النفطية انخفضت إلى النصف، ويتوجب عليها أن تقوم بتخفيض نفقاتها. وكان الوزير قد أعلن في تصريح سابق عن خفض ميزانية العام الحالي بمقدار 50 مليار ريال (13.3 مليار دولار)، أي ما يمثل 5 في المئة من الميزانية الإنفاقية. لم يحدد الوزير نوعية وتفاصيل تلك الإجراءات الصارمة والمؤلمة، إلا أنه أشار، دون تفاصيل، إلى تخفيض شديد في بند النفقات في الميزانية
اعتمدت السلطات السعودية تقليدياً على ثلاثة مصادر تمويل أساسية لتعويض النقص في عوائد النفط جراء تقلبات السوق. وهذه المصادر هي الاستدانة، والسحب من الاحتياطي، وخفض الإنفاق الحكومي في انتظار عودة عوائد النفط إلى الارتفاع. ويبدو أن السلطات هناك تتصرف كما تصرفت في السابق، دون أن تأخذ بعين الاعتبار أن وضع السعودية الآن ليس كوضعها الماضي.
ستأتي الإجراءات “الشديدة والمؤلمة” التي ستتخذها الحكومة السعودية منسجمة مع السياسة الاقتصادية التي اعتمدها محمد بن سلمان منذ وصوله إلى السلطة. إلا أنها لن تؤدي إلى معالجة مكامن الخلل البنيوية في الاقتصادالسعودي. بل هي قد تفاقم تداعيات ذلك الخلل وتزيد من معاناة الناس.
لقد كان ذلك النزاع مقامرة وحماقة في آن. فلم تحقق السعودية أهدافها السياسية من قراريها في 8/3/2020 برفع إنتاجها النفطي إلى أكثر من 12 مليون برميل يومياً، وإعطاء حسومات معتبرة لزبائنها في سوق النفط. لقد غامرت السعودية وخسرت كما خسر غيرها من منتجي النفط. إلا أن خسائرها أكبر بكثير من خسائر غيرها بحكم أنها أكثر أعضاء “الأوبك” إنتاجاً وتصديراً للنفط. وتتفاقم آثار تلك الخسائر في السعودية بسبب أن عائدات النفط هي موردها المالي الرئيس. فلقد كانت تخسر 12 مليون دولار يومياً مقابل كل دولار ينخفض من سعر برميل النفط، فما بالك حين ينخفض سعر البرميل من 80 دولاراً فما فوق إلى 20 دولاراً فما دون.
مضاعفة الدين واستنزاف الصندوق السيادي
لقد تضاعفت ديون السعودية في السنوات الأربع الماضية، أي منذ بداية تولي محمد بن سلمان ولاية العهد. ففي 2016 كانت ديون السعودية في حدود 23 مليار دولار أمريكي. وفي 2019 بلغ إجمالي الديون المستحقة على الحكومة السعودية 149 مليار دولار، نصفها ديون خارجية. وسيستمر هذا التوجه في 2020 طبقاً لمصادر وزارة المالية السعودية، التي تشير إلى استدانة ما قد يزيد على خمسين مليار دولار إضافية. علاوة على ذلك، تعتمد السياسة المالية السعودية على اللجوء أيضاً إلى السحب من الاحتياطيات المالية المتمثلة في الصناديق السيادية.
.