سوق الجنة (مقالٌ قديم 14 مارس 2009)م

كيف يصبح الحرف مفتاحاً لعالمٍ لا يحدّه إلا التعب. والتعب اختيار

يكتبها هذا الإسبوع عبدالهادي خلف:

من درس القرآن انتقل، إلى درس الفلسفة، ثم إلى درس الحَيْرة، ثم إلى درس التعب، ثم بقيَ هناك. شيئان لا حقيقة فيهما: السياسة والفكر. طريقان، اختارهما بعناية امتداد الألف في باقي الحروف، ليجد نفسه ساكناً في لا حقيقتهما. وحين تكون الحيرة حقيقتك، فالتعب اختيارك الذي لن تغادره، حتى يغادرك.   ولعل مقولة ابن عربي الأثيرة ”الحيرة حقيقة الحقيقة” تجعل من حيرة عبدالهادي خلف، أستاذ علم الاجتماع بجامعة ”لوند” السويدية، جنة. جنة تبوح بشيء من تمرد الأسئلة، وشيء من زفرة المخلوق في حضرة حقيقة الحقيقة.. علي الديري

—————

 (1)  ألف لاشَلَه

عرفتُ عبر أربع نساء توليْن تباعاً ”تعليمي” القرآن كيف يصبح ”الألِفُ الذي لا شيء له” والباء التي ”من تحتها نقطة” مفاتيح عالمٍ يزداد اتساعاً. ما عليك إلا معرفة أشكال ربط الحروف بالحروف. وكلما ازدادت معرفتك بالأشكال المختلفة للحروف وأشكال ربطها ببعضها البعض ازداد العالم اتساعاً حتى ولو ضاقت بك الدنيا. لا أتذكر أسماءهن ولا أظنني سأتعرف الآن على مواقع بيوتهن بسبب ما أصاب قصبة المنامة من تغيرات. ولكنني أتذكرهن جميعاً بامتنان. نقلتني أمي بينهن لأسباب لا أعرفها فتعددت أسباب امتناني لهن ولها. فلقد نجحن في تعليمي أن أندهش بالخطوط وهي تتداخل لتخلق سحراً يبهر. ما أبدع القول أن من البيان لسحراً. أتذكرهن الآن، بعقلٍ رجل على مشارف تقاعده، فأبتسم شاكراً لهن حناناً توزع بيننا أولاداً وبناتاً. فلا أتذكر أنهن استخدمن خيزرانة أو فلقة لتأديبنا كما كان يفعل غيرهن بغيرنا. وأبتسم أيضاً شاكراً لهن أنهن زرعن في طفل عمره أربع سنوات بذرة الانبهار بالحرف. وعلّمنه كيف يَربط حرفاً بحرف ليرى الحروف كلمات مقدسة كما في آيات حفظها عن ظهر قلب أو في كلماتٍ فاحشة تعلّم استخدامها في الطرقات بين بيت الأم وبيت المعلمة. رحم الله معلماتي. فلقد علمنني كيف يصبح الحرف مفتاحاً لعالمٍ لا يحدّه إلا التعب. والتعبُ اختيار.  

(2) درس الفلسفة

يشرح مدرس مادة ”الاجتماع والفلسفة” لطلابه في آخر سنة في المدرسة الثانوية شيئاً عن معنى كلمة ”فلسفة”. فيقول إنها حب الحكمة. ويقول شيئاً من قبيل أن هذا الحب يتطلب تحدي المسلّمات عن طريق مساءلة المألوف. فحين نلاحظ سقوط ثمرةٍ من على غصن شجرة فعلينا ألا نكتفي بملاحظة المألوف الذي يراه كل الناس. بل على محب الحكمة أن يطرح الأسئلة من قبيل لماذا وكيف وماذا بعد. إلا أن المدرس يتمادى في شرحه. فيزداد اهتمام ثلاثة على الأقل من تلاميذه بما يقول. لا يجب أن يكتفي محب الحكمة بمساءلة المألوف فحسب بل لا مفر أمامه من تحدي المسلّمات أيضاً عن طريق صياغة الأسئلة غير المألوفة. يطرح أحد الثلاثة سؤالاً عن الخلق والخالق ويتبعه الآخران. من خلق الكوْنَ؟ ولماذا خُلق؟ بل من خلق الخالق إذا كان لكل موجود خالق؟ وتتكاثر الأسئلة في صياغات فجة كالتي يستطيع صياغتها صبيةٌ لا يزيد عمر أكبرهم عن خمس عشرة سنة. يجيب المدرس في حدود المباح وفي حدود ما يعرف. ولكن ذلك لا يسعفه كثيراً فيلجأ إلى الأجوبة المألوفة التي لا تحتاج لتبّحر في حب الحكمة. ينتهي الدرس وتتوقف الأسئلة والنقاش حولها داخل الصف. ولم يعد المدرس إلى الموضوع ولم يهتم تلاميذه بإعادة إثارته. إلا أن ثلاثة تلاميذ يستمرون ليومٍ آخر في ذكر الموضوع. ما لم يعرفه مدرسنا الطيب هو أنه طرح الفلسفة لا كمسلَّمات بل كما رآها ماركس أسلوباً للتفكير العقلاني مادته كل ما يتعلق بالوجود الإنساني ونتائجه. أسلوبٌ للتفكير لا يكتفي بتفسير الوجود بل يسعى لتغييره. أقولُ لم يواصل المدرس ما بدأه ولكنه أغرى ثلاثة صبية بمتعة غير مألوفة. بل وأغرى واحداً منهم بمتعة التمادي في تلك المتعة. أحد الثلاثة صار رجل دينٍ معتبر. فلعله بذلك وجد أجوبة ترضيه ضمن المألوف أو خارجه. ووجد الآخر أجوبته حين أصبح عسكرياً ومسؤولاً معتبراً حتى كاد أن يحقق حلمه بإقامة مشروع إسكاني مهول كنتُ سأكون من جملة من سيُنقلون للسكن فيه. أما هذا الفقير فمازال حائراً بين أجوبة.

(3)    لقد أفلح من حار

قيل إن الشك طريق المعرفة. ولكن المعرفة ليست واحدة. فلقد قادت المعرفةُ التي حصل عليها صاحبي الذي صار رجل دين إلى اليقين المطمئن بثوابٍ وعقاب واستغفار وغفران. وقادت معرفةٌ أخرى صاحبي الآخر إلى قوة الصارم المصقول الذي فيه الأمان. بينما قادتني معرفة ثالثة إلى الحيرة. لا وقت لدي الآن كي أغبط هذا أو أحسد ذاك. ولا حاجة لي بذلك. بل أتسلى بأنني لستُ أفضل ممن أشهدَه الحقُ بالحيرة. وقال له ارْجعْ فلم يجد أين. وقال له أَقْبِل فلم يجد أين. فقال له قِفْ فلم يجد أين. حتى صرخ بجملة تربط الحكمة كلها ”لقد أفلح من حار”. إلا أن الحيرة ليست قدراً مقضياً ولاهي مسارٌ لا متناهٍ كُتبَ على الناس كافة. بل هي خيار فردي. هي خيارُ الحائر نفسه لا يمنعه منه سوى الموت أو انتهاء رغبته في مطالعة العالم ومجالدة الحيرة. أو كما يخبرنا ابن عربي ”من تعب من الفكر وقفَ حيث تعبْ، فمنهم من وقف في التعطيل، ومنهم من وقف في القول بالعِلَل، ومنهم من وقف في التشبيه، ومنهم من وقف في الحيرة فقال لا أدري، ومنهم من عثر على وجه الدليل فوقف عنده فكلَّ عنده. فكلُ إنسان وقف حيث تعب، ورجع إلى مصالح دنياه وراحة نفسه وموافقة طبعه. فإن استراح من ذلك التعب، واستعمل النظر في الموضع الذي وقف فيه مشى حيث ينتهي به فكره إلى أن يتعب فيقف أيضاً أو يموت”.

(4) كليف ريتشارد

بعد الانقلاب البعثي الذي أطاح بعبدالكريم قاسم في العراق العام 1963 انتظم عددٌ من الطلبة البحرينيين في الحرس القومي وحملوا السلاح للدفاع عن النظام الجديد. أحد هؤلاء (وقد صار أغلبهم فيما بعد من كبار المسؤولين في البحرين) رتب كميناً لاعتقالي مع طالبٍ بحريني آخر. لم يدم اعتقالنا طويلاً فلم يكن لدينا ما يستوجب إطالة الاعتقال والتعذيب. ولكنني خسرتُ بعثتي واضطررتُ لمغادرة العراق. بعد عودتي إلى البحرين اشتغلتُ موظفاً في دائرة الجمارك. ولكي أتمكن من توفير المال اللازم لمواصلة دراستي حصلت على عمل إضافي كاتباً للفواتير في كازينو ميناء سلمان الذي أسسه المرحوم حسن محمد جواد. وكان غالبية زبائن الكازينو من الأجانب من بحارة السفن الراسية أو الجنود البريطانيين المتمركزين في قاعدة الجفير. وكجزء من الخدمة كان لدينا غرامفون وعدد من الأسطوانات لمغنين بريطانيين. ولهذا كانت الأغاني تصدح في أركان الكازينو إلى حين إغلاقه قرابة منتصف الليل. وكان أشهر المغنين وأكثرهم شعبية بين زبائن الكازينو هو كليف ريتشارد الذي كانت ترافقه وقتذاك فرقة اسمها ”ذي شادوز” أي الظلال. رغم اسمها البارز على أغلفة الأسطوانات فلم يكن للفرقة من دور سوى ترديد كلمات أو أصوات محددة. مثل أي مجموعة كورس كان دور الفرقة هامشياً وإن كان صاخباً. أتذكر كثيراً فترة عملي في كازينو ميناء سلمان وأحسبُ أنها أسهمت في رسم سلوكي السياسي. أو على الأقل اقتناعي بأن عاقلاً لا يعول على أن يوضع اسمه كبيراً على اليافطات بينما لا يتعدى دوره دور فردٍ في فرقة كورس. أو كما يقال في لغة فنية غابرة مجرد ”مطيباتي” لزعيم أو قائدٍ أو أبٍ روحي. إلا أن الأمر اختيار ولكل اختيار كلفة ومردود. ولهذا وكلما سمعت من يعيب على أحدٍ أنه يغني ”خارج السرب” تذكرتُ كليف ريتشارد وفرقته. وفي كل حال أترحم على الخال حسن جواد ممتناً له أنه أتاح لي أن أتعلم كم هو مهين قبول المرء أن يصبح تابعاً يردد كالببغاء ما يقوله الآخرون أو يفعل ما يأمرونه به.

(5)فرضية 1

خُصِّصت أحدى الجلسات الأولى التي عقدها المجلس الوطني العام 1974 لمناقشة أزمة الغلاء. وحين حمي الوطيس قال أحد أعضاء كتلة الشعب شيئاً عن أن ”الأزمة هي ليست أزمة غلاء بل هي أزمة نظام ولن يمكن حلها إلا بتقليم أظافر الطبقة الكمبرادورية”. وطالب نوابٌ آخرون بما هو أشد أي ”الضرب بيدٍ من حديد على أيدي التجار والمتلاعبين بالأسعار”. بعد ذلك انتفض الوزيران المكلفان بملاسنة المعارضة فشرَّقا على عادتهما وغرَّبا. إلا إنهما لم يدافعا عن التجار ولم يعترضا على الدعوة للضرب على أيديهم بيدٍ من حديد. بل حصرا اعتراضهما على الدعوة لتقليم الأظافر باعتبارها دعوة هدامة لتدمير اقتصاد البلاد وتخويف المستثمرين الأجانب. الفرضية: لا تهتم السلطة بالشعار بل بمن يقف خلفه.

(6) فرضية 2ل

م تكن السلطة موفقة في توقيت إعلان قراراها بإسقاط عضويتي من المجلس الوطني في فبراير/ شباط .1974 فلقد وفرت للناس مع بداية شهر محرم مساحة للاحتجاج على ذلك القرار. ومعلومٌ أن أغلب مواكب العزاء التي جابت شوارع المنامة وبعض القرى كانت تردد شيلات احتجاجية منها ”مال ميزان العدالة وفاز بالكرسي عميل.. من بعد سحب الثقة أصبح الكرسي هزيل” و”أول رسول لحسين بني أمية اغتالته.. وأول رسول للشعب العمالة شالته”. أتذكر بامتنان تلك الشيلات التي أعتبرها تثميناً لخيارٍ شاركتُ آخرين كثيرين في اتخاذه والالتزام به. إلا أن أهم ما أتذكره هو أنني تلقيتُ وقتها لقاحاً ضد الغرور أحسبه مازال فعالاً. ففي ليلة العاشر من محرم في تلك السنة خرجتُ مثل مئات الناس المتزاحمة في شارع الشيخ عبدالله بالقرب من منزلنا في المنامة لمتابعة مواكب العزاء. لم يكن ثمة موقع مرتفع أقف عليه لأشاهد ما يجري لولا أن تكرّم أحد الجيران بأن سمح لي بموقع قدم على عتبة دكان. فطالت قامتي بما يكفي لمتابعة مسيرة المعزين. تمر المواكب الواحد بعد الآخر منددة بطردي من المجلس ولا يهتم أحدٌ من آلاف المشاركين فيها حتى بالالتفات نحوي. الفرضية: لا تهتم الناس بك شخصياً ولا بتاريخك بل بما تقول الآن وتفعل.

(7)  الدين أفيون الناس

هل هو حقاً؟ قرأ كثيرون هذه العبارة في ترجمتها المتداولة ”الدين أفيون الشعوب” كمن يقرأ آية ”ولا تقربوا الصلاة” من دون تكملتها. لا أقصد هنا الدخول في مناقشة ما يسميه حامد أبوزيد بجدلية النص. أي ضرورة فهم النص في إطار علاقته بزمانه ومكانه من جهة وكذلك في إطار علاقته بمتلقيه وزمانهم ومكانهم. فالنص محكومٌ بظروف إنتاجه ومحكومٌ في الآن نفسه بظروف استهلاكه. ما أقصده أقل طموحاً من هذا. فالآية كما هو معروف لا تحض على ترك الصلاة إلا عند ابتسارها. لهذا قد يكون مفيداً قراءة مقولة ماركس كاملة. فلم يعتبر ماركس الدين شراً مطلقاً أو خيراً مطلقاً. فالدين لديه حسب عبارته التي تُقتطف مبتسرة ”هو زفرة المخلوق المضطهد. وهو القلب في عالمٍ بلا قلب. كما هو الروح في وضعٍ خلا من الروح. إنه أفيون الناس”. فالظاهرة الدينية حمالة أوجه ولها عند ماركس دوران متناقضان. وفي الدين دعوة للصبر على معاناة وعذاب يتولدان من ظروفٍ واقعية. وفي الدين أيضاً دعوة للاحتجاج على تلك المعاناة والعذاب وإزالة أسبابها بإقامة العدل. حين يختار رجل الدين أن يرتب أولوياته لصالح أن تتعايش الناس مع معاناتهم فهو يحول الدين إلى أداة تخدير. أما حين يختار ترتيب أولوياته لصالح دعوة الناس إلى الاحتجاج على ذلك الواقع فهو يحول الدين أداة من أدوات تغيير ذلك الواقع. هذه الطبيعة المتناقضة للظاهرة الدينية التي لاحظها ماركس هي التي تفسر أيضاً المبارزة الحادة بين رهبان لاهوت التحرير المتحالفين مع الحركات اليسارية في أميركا اللاتينية وبين أساقفة اللاهوت الفاتيكاني ورؤساء الكنائس الرسمية المتحالفين مع الطغم العسكرية التي كانت تحكم بلدان تلك القارة. وهي التي تفسر أيضاً المفاضلة التي قدمها علي شريعتي بين التشيع العلوي والتشيع الصفوي. وهي نفسها الطبيعة المتناقضة للظاهرة الدينية التي جعلت من الممكن في بحرين التسعينات أن يتزامن الشيخان الجمري والمدني.

 (8) الفتوى..

قبل يوم واحد من انتخابات العام 1973 فوجئنا بتوزيع كميات كبيرة من منشور مستنسخ قيل إنه يتضمن ”فتوى” أصدرها ضدي الشيخ أحمد خلف العصفور، أطال الله عمره. وقيل إنها ستقود الناس إلى عد التصويت لصالحي في دائرتي الانتخابية ولا لآخرين من زملائي من أعضاء كتلة الشعب في دوائرهم. لم يكن الأمر يتعلق بفتوى وإنما بجواب من الشيخ أحمد على سؤالٍ طرحه عليه أحد كبار أهل الحي هو السيدسلمان الحلاّي رحمه الله. فلقد بلغ السيد أنني ناقشتُ مع الشيخ برنامجنا الانتخابي. وبلغه أيضاً أن الشيخ لم يرَ في البرنامج ما يعارض الشريعة. وتركز احتجاج السائل على بنديْن تضمنهما البرنامج. أولهما يتعلق بـ ”حرية المرأة وحقها في الترشيح والانتخاب والتأكيد على مساواتها مع الرجل في جميع الحقوق الاقتصادية، الاجتماعية، والسياسية”. وثانيهما يتعلق ببندٍ حمل ”تأميم الشركات”. بطبيعة الحال نفى الشيخ أحمد العصفور موافقته على نشر برنامجنا الانتخابي. فنحن لم نعرض البرنامج على أحدٍ خارج الكتلة نفسها. وجاءت بقية جواب الشيخ في صيغة يمكن أن يُفهم منها أن ما جاء في برنامجنا يتنافى مع الشريعة. صار جواب الشيخ في نظر كثيرين فتوى. فقيل قُضيِ الأمرُ إذ لم تبق إلا ساعات على صبيحة يوم الانتخابات. ما حدث بعدها يعود بعض الفضل فيه لحكمة الشيخ أحمد وبعضه لأولئك النسوة اللواتي علمنني الربط بين الحروف. فلقد توجهتُ إلى حيث عرفتُ أن الشيخ أحمد يقضي ساعات العصر وانتظرته حتى فرغ من زوارٍ وذوي حاجة. وطرحتُ عليه حين انفردنا لساعة أو أزْيَد سؤالاً أجاب عليه. فكتبتُ السؤال وكتبَ الجواب على ورقة خرجتُ بها قبل صلاة المغرب ليستنسخها الأصحابُ وتنتشر في المنامة وخارجها. وبالغ كثيرون حين زعموا أن الشيخ أصدر ”فتوى” لصالحي. فهو لم يفعل وما كنتُ جاهلاً بالأعراف والأصول لأطلب منه ذلك. جوهر ما قاله الشيخ أنه ”يستنكر استغلال إجاباته”. وكان ذلك يكفيني.

(9) في السؤال الجواب

مثلما فعل معي قبل أربعين سنة أساتذتي في هذه الجامعة فإنني أقضي وقتاً طويلاً بين طلبتي الجدد لتمكينهم من فن صياغة السؤال. ففي القدرة على صياغة السؤال تكمن القدرة على التحكم في الإجابات عليه. ولهذا لا يبدأ أيٌ من طلبتي ورقة أو إطروحة قبل أن يقنع زملاءه بأن السؤالَ واضحٌ ومحددٌ وقابلٌ للإجابة عليه. فلا يعوّل على سؤال غير محدد وغير واضح وغير قابلٍ للإجابة عليه. ولا يعوّل على سؤال لا يعرف السائلُ احتمالات الإجابات عليه. ولا تختلف الأهمية في حال إذا كان الجواب المرجو يأتي في صورة إطروحة أكاديمية أو في صورة جملة في محادثة عابرة. ولا تختلف أهمية السؤال في مقهى عنه في جامعة أو حوزة. ففي كل الأحوال يكون الجوابُ في السؤال.

رابط المقال : http://www.alwaqt.com/art.php?aid=155321 ©