قبل ثمان وأربعين سنة إجتمع ممثلو الأحزاب الشيوعية والعمالية العربية. في بيروت في أوائل نيسان/أبريل 1975. وكان من بين المشاركين لأول مرة ممثلُ جبهة التحرير الوطني البحرانية. في ختام ذلك الإجتماع نُشِر “بيان الأحزاب الشيوعية والعمالية العربية حول الأوضاع الراهنة” (الاخبار، العدد ١٠٧٩/١١٣ بتاريخ 5/4/1975) ا
كان ذلك الإجتماع حدثاً مهماً في تاريخ جبهة التحريرالوطني البحرانية. فرغم مرور ما يقرب من عشرين سنة على تأسيسها، ورغم إن علاقات رفاقية، بهذا القدرأو ذاك، تربطها بأحزاب شيوعية عربية أخرى وخاصة الأحزاب الشيوعية في العراق وسوريا ولبنان إلا إنها بقيت غير منتظمة ويغلب عليها الطابع الشخصي وخارج الأطر الجماعية للأحزاب الشيوعية العربية
دشَّنت مشاركة الجبهة في إجتماع بيروت مشاركاتها التلية في جميع اللقاءات الدورية التي عقدتها فيما بعد الأحزاب الشيوعية العربية. فلقد كانت تلك المشاركة مثابة إعتراف جماعي بدور الجبهة ونضالها كفصيل شيوعي عربي. ففي ربيع 1975 كان يحق لجبهة التحرير الوطني البحرانية أن تفاخر بأنها الفصيل الشيوعي الوحيد في المنطقة العربية الذي لديه منذ السابع من ديسمبر/كانون أول 1973 أعضاء منتخبون ضمن كتلة نيابية ذات تأثير في برلمان بلادها وبأنها، أي الجبهة، تقود آنذاك حركة نقابية نشطة وواعدة
من جانب آخر، كانت لذلك الإجتماع في بيروت أهمية إضافية في تاريخ الجبهة. فلقد فتح “إعتراف” الأحزاب الشيوعية العربية بالجبهة الطريق أمامها للتواصل مع عدد كبير من الأحزاب المنضوية في الحركة الشيوعية والعمالية العالمية، وفي مقدمة هذه الحركة الأحزاب الحاكمة في الإتحاد السوفياتي وبقية البلدان الإشتراكية
.سعت جهود التواصل في السنوات التالية إلى نقل علاقتها تلك الأحزاب والدول بالجبهة من مستوى العلاقة بفصيلٍ من فصائل حركة التحرر الوطني إلى علاقة بحزب شيوعي شقيق. والفرق بين الإثنين شاسعٌ معنوياً ومادياً. فعلاقات الأحزاب الحاكمة في الإتحاد السوفياتي وبلدان المنظومة الإشتراكية مع حركات التحرر الوطني تتولاها أساساً لجان التضامن الآسيوي الأفريقي ولجان الصداقة مع الشعوب. بينما تتولى أجهزة الحزب الشيوعي نفسه إدارة العلاقة مع الأحزاب الشيوعية المعترف بها. والفرق هائل بين صلاحيات لجان التضامن ولجان الصداقة وبين صلاحيات أجهزة الحزب الحاكم.
بعد إجتماع بيروت في أبريل/نيسان ١٩٧٥ بعشر سنوات وبفضل جهود الكثيرين من الرفاق والرفيقات وبدعم الأحزاب العربية الشقيقة طيلة تلك السنوات أصبحت جبهة التحرير “رسميا” في منتصف الثمانينيات جزءً من الحركة الشيوعية العالمية. أي بعد أن إستوفت الإشتراطات المقررة. وكان من بين تلك الإشتراطات أن يكون للتنظيم برنامج بمواصفات معينة ويتم إقراره في مؤتمر حزبي. ومن بينها أيضاً أن يعقد التنظيم مؤتمرات دورية تتولى إنتخاب الهيئات الحزبية بما فيها الأمين العام و واللجنة المركزية والمكتب السياسي . وهذه كلها وغيرها من الإشتراطات لم تستطع الجبهة إستكمالها حتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي. لم يكن ممكناً ولا مطروحاً إختراع أمين عام أو كتابة برنامج سياسي بالمستوى المطلوب وغير ذلك بيين ليلة وضحاها. بل كان ذلك كله يتطلب عملاً دؤوباً وصبورا ونقاشاً يربط المنفى بالوطن من جهة ويلتزم بالأعراف المعتمدة في الحركة الشيوعية العالمية
وكانت من نتائج الإعتراف الرسمي بالجبهة كفصيل في الحركة الشيوعية العالمية هو بدء العلاقة المباشرة مغ جميع الأحزاب الشيوعية الحاكمة وغير الحاكمة وكذلك العلاقة غير المباشرة بها عن طريق إعتماد مندوب للجبهة في هيئة تحرير مجلة قضايا السلم والإشتراكية” التي مقرها في براغ (تشيكوسلوفاكيا آنذاك) ا“.
و في ذات الفترة الزمنية وعلى المستوى الداخلي، وهو الأهم لأي تنظيم سياسي، فلقد أدت الضربات الأمنية القاسية والمتتالية التي تعرضت لها خلايا الجبهة في البحرين إلى جمود العمل التنظيمي بل وإلى تخلي قياديين وكوادر أساسية في الجبهة عن مواقعهم ومسئولياتهم. ساهم ذلك في الكارثة التنظيمية التي حلَّت بالجبهة في صيف 1986 وكان أحد أكثر علاماتها إيلاماً هو إستشهاد الرفيق الدكتور هاشم إسماعيل العلوي (وهذا موضوع له تشعبات لا بدّ من مناقشتها بروية في مناسبة أخرى). أما فيما يتعلق بعضوية مندوب الجبهة في هيئة تحرير مجلة “قضايا السلم والإشتراكية” في براغ فهي لم تدم طويلاً بل جرفها التسونامي التاريخي الذي سبّبه إنهيار الإتحاد السوفياتي