مما تركه الرفيق الفنان سلمان زيمان: مداخلة غنية في ندوة الأغنية الوطنية

    ندوةالأغنية الوطنية” التي أقامها المنبر الديمقراطي التقدمي بتاريخ 20 مارس 2005م 
http://almenber.com/conferences.asp?id=126
المتحدث: الفنان سلمان زيمان

اسمحوا لي أن أصطحبكم إلى جزرٍ من أرخبيل الأغنية الوطنية في البحرين . وأطمح أن تتبصروا معي و تساهموا في اكتشاف ورسم خرائط الجزر النائية ، وتلك التي غمرتها المياه بفعل المتغيرات المناخية المتغلبة خلال النصف قرن الأخير. فهلم بنا و لنبحر معاً ونكتشف أرخبيلنا الثقافي الجميل ، ولنوثق خرائطه لنستدل، وتستدل بها أجيالنا القادمة.

كان للأغنية والأنشودة والأهازيج حضوراً فاعلاً ومؤثراً بتاريخنا الوطني . فقد إستطاع هذا الفن أن يعبر بصدق عن تطلعات ومواقف ومشاعر قطاع واسع من شعبنا في البحرين . فمن شحذ الهمم ، ونثر الأمل والتفاؤل إلى إقامة مراسم التأبين والرثاء لمن فقد من الأحباب . إنه جزء مهم من ذاكرتنا الوطنية ، ساهمت الأجيال المتعاقبة في تراكمه ، و اختلطت مصادر الإبداع الفني في هذا النتاج ، بين المعروف والمأثور لتداخل اللمسات عبر سنوات طويلة من التناقل الشفهي .
سأتطرق في حديثي هذا الى الظروف الذاتية والموضوعية التي صاحبت نشوء وتطور هذا النوع من الإبداع الفني . متكئاً الى عينة من نتاج أربعيين عاماً امتدت ما بين 1965 و2005 .
إن لكل عمل من هذه القطع الفنية شهادة ميلاد وعنوان ، ارتبطت بانفعالات إنسانية متباينة . . شوق وحنين وأمانٍ ، والكثير من الأمل ، والحزن والفرح . ولضرورة الحفاظ على ذاكرتنا الوطنية حية ، وحق الأجيال في التعرف على هذا الجانب من تاريخها الوطني ، فإننا جميعاً معنيون ،وملزمون كل في مجاله بجمع تراثنا الوطني بكافة أركانه ، لما يمثله ذلك من أهمية وضرورة في الوقت الحاضر. إننا سنتكبد الكثير من الخسائر إن تأخر رصد هذا التراث وتوثيقه ، ما سيتسبب في خسارة يصعب تفاديها عندما تشح المعلومات الموثقة من مصادرها ويعز الحصول عليها من منابعها الأصلية ويصعب حينها التحقق منها وإعتمادها .

لم الأنشودة والأغنية والأهزوجة ؟

إن أردت أن توحد صوت الجمهور وتضيف اليه رهبة وعنفوان ، ضع مطالبه في أهزوجة موقعة و منغمة . وتبين حينها انفعالات هذه الجماهير ووقع أداءها المؤثر على الآذان ، حين تصدح الأصوات ، ويهتز الفضاء بفعل توحد ثيمات صاعدة وهابطة ، تبث فعلها السحري في توجيه كيماء المشاعر الفردية والجماعية ، فتتوحد مشاعر الغضب ، والحزن والفرح ، و مشاعر الإستنفار و الإنتصار ، والعزم ، والتفاؤل ، تتوحد في رهبة تقشعر لها الأفئدة و الأبدان

أسعى من خلال هذا اللقاء أن أقدم لكم عرضاً تأريخياً موجزاً ، و أأكد “موجزاً” لمسار نوع خاص ومختلف من الأهازيج و الأناشيد والأغاني التي إرتبطت بظروف خاصة ومختلفة عايشتها جماهير شعبنا في البحرين . وبدافع الإهتمام والمساهمة المتواضعة في توثيق ما بقي منها في الذاكرة الفردية والجماعية ، و سعياً لحفظ أمانة ، كنز الذاكرة الوطنية ، إستطعت، وبفضلٍ من إخوةٍ تشاطرني الإهتمام ذاته ، إستطعت الإطلاع وجمع و لملمة مقدار حسن من نتاج وإبداع الأربعين عاماً الأخيرة ، تنوعت بين القصائد والأهازيج والأغاني والأناشيد ، التي صيغت في ظروف صعبة ،عكست بمفرداتها وصورها الشعرية واللحنية آلام وأماني وإنفعالات ومشاعر واسعة التنوع ، و ممتدة الأفق والمدى ، نشأت وظهرت وكمنت في ظروف موضوعية خاصة .
كثير من تلك الأهازيج والقصائد تحولت بدورها الى مواويل وأناشيد وأغانٍ إرتبطت بألحان وبناء موسيقي . بعض تلك الأعمال أتت عفوية الألحان ، بسيطة التركيب والبناء ، تناقلتها الأفئدة والحناجر ، وزادت عليها ما زادت من المفردات اللغوية ، و التعبيرات اللحنية . وأما البعض الآخر منها فقد ظهر بصياغةٍ حِرفية الحبكة ، و من صنع وإبداع محترفي وممتهني فنون الموسيقى والغناء .

أغاني السجون والمعتقلات
شكلت جدران الزنازن الضيقة فضاءً واسعاً للكثير من القصائد الشاعرية الصادقة ، التي التصقت الحبيبة فيها بالوطن العزيز ، وإرتبطت آلام الفراق للأحباب وأوجاع الحبس وإفتقاد الحرية ، بالأمل والشجاعة والإصرار والعناد والتحدي . كانت دماء الحياة تتدفق بين دهاليز الموت والجفاف وتنبعث حياة بعد حياة .
لقد أبدع الأديب والمناضل الكبير أحمد الشملان الكثير من قصائده المعبرة ، المنشورة منها وغير المنشورة بين تلك الجدران الرطبة النتنة ، محطماً وقالعاً أساساتها ،و محلقاً بخياله إلى أبعاد تنفرج بإتساع أطراف الكون ، ناثراً من بين أجنحته بذورٌ للأمل ، و رياحينٍ للحبِ والحرية . أحمد الشملان دبغ الأناشيد ، و نسج الأغاني والمواويل ، وهو الصادح بحنجرته الرخيمة بين الجماهير، في مظاهرات واحتجاجات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ، بأهازيجه الموزونة ، باثاً بعنفوانه لهيب الحماس والعداء ضد المستعمر واعداء الحرية.
سُلبت حرية هذا المناضل العنيد مرات عدة ، ولسنوات ممتدة ، وفي كل مرة منها يزداد رصيد شعبنا قصائد حب ، وجمال ، وحرية ، قصائدٌ ستبقى جميعها تنطق فصيحة اللسان ، عظيمة البيان الى سنوات أبدية .

طريقنا
في أحد أعداد نشرة الجماهير سنة 1965 ظهرت وعلى صدر صفحتها الأبيات التالية : طريقنا أنت تدري
شوك ،وعر ، عسيرُ
موتٌ على جانبيه ،
لكننا سنسيرُ
إلى الأمام ، إلى الأمام ، إلى الأمام سنسيرُُ …
سنمضي ، سنمضي إلى ما نريد
سنمضي لنبني أوال الجديد
سنمضي ، سنمضي إلى ما نريد
وطنٍ حرِّ وشعبٍ سعيد

وبعد أن وقعت عليها عينا الموسيقار المناضل مجيد مرهون ، تفاعل و لحن حينها هذا الشطر من نشيد طريقنا بالميلودي المعروف ، وأخذ يردده بين رفاقه. وبعد محاكمته و دخوله السجن سنة 1969 أضاف اليه الجزء “ب” من النص الشعري واللحني وصاغ من كلماته وألحانه شطراً جديداً ، ظهر كما نعرفه جميعاً اليوم :
فهبوا جميعا أسود النضال
وضحَوا وثوروا لأجل أوال
وزكوا دماءً وحققوا المحال
لتحرير شعبٍ من الاستغلال

حاز هذا النشيد على أفئدة قطاع المناضلين والمناضلات البحرينيين بمختلف انتماآتهم السياسية والفكرية ، وظل يردد من قبلهم في كل لقاء واحتفال داخل البحرين وخارجها ، ولقوة تعبير الجملة الموسيقية ولامتلائها حماس ، ظهرت مفردات وأبيات من الشعر على السياق اللحني للجملة في مناسبات مختلفة ، و في أحيان عدة تعرض هذا النشيد لإضافات قسرية سرعان ما إنفكت عنه .
ثم وفي العام 1985 حين التقى أحمد الشملان برفيقه مجيد مرهون بين جدران المعتقل . التقيا وتناغمت سوياً فنون الموسيقى والشعر المقاوم ، فكتب الشملان الشطر الثاني من هذا النشيد – صاغه أهزوجة ثورية جامحة ، احتفاءً بمرور ثلاثون عاما على نضال و تأسيس جبهة التحرير الوطني البحراني ، وجاءت كالتالي :

يا جبهة التحرير سيري
نجماً يضيء الدروبَ
وعلًمي الكادحين ، كيف انتصار الشعوب
وشعبنا ، عمالنا ، معلمٌ في الخطوب
ثلاثون عاماً سقاها النضال
صمودٌ وعزمٌ شديد المحال
سقاها انتصارٌ وعزمٌ جديد
لوطنٍ حرِّ وشعبٍ سعيد

ومن الإضافات الشعبية التي التحمت مع النص خلال هذه الفترة الطويلة وأصبحت جزء منه ،هذان السطران من الأبيات التي جاءت كالتالي :

*****
شعبٌ عظيمٌ شعبُ أوال
يهزمُ الصعابَ ، يهزُ الجبال
لهُ تضحياتُ الخلودِ والجلال
لهُ الشمسُ تُشرِقُ دونَ زوال

وهكذا اكتمل حينها نشيد طريقنا على النحو الذي ذكرت . النشيد الذي سيبقى مخلداً ضمن التراث والذاكرة المضيئة و الخالدة لشعبنا .

كانت معانات المعتقلين وتحديهم تجد في الكتابة الشعرية سبيل للتعبير ، ما تلبث أن تتحول أغانٍ وأناشيد ، لتصبح بعدها مصدراً من مصادر الصمود والقوة ، تضمد الجراح وتشد الأزر ، وتعزز إيمانهم بقضيتهم .
فمن القصائد التي تحولت إلى أغانٍ ، قصيدة “حبيبتي“و التي كتبها المناضل الأديب عبد الحميد القائد ، في 21فبراير 1972 ، في ليلة ممطرة قضاها في زنزانة رقم واحد ، في ما يدعى بعنبر “بيت الدولة ” بجزيرة جده ، حيث التقى مجيد مرهون صباح اليوم التالي وتلاها على مسامعه ، ليتفاعل معها مجيد بإحساسه المرهف ساكباً الدمع من شدة التأثر ، ومعلقاً ، “إنها قصيدتي يا حميد “!.

” إنها قصيدتي يا حميد ! ” قالها مجيد ثم بدأ مشوار تلحينها وأكمل بناءها اللحني بين فترات متباعدة . ومن شدة تعلقه بها لم يجد حرجاً من إضافة بيتين إلى هذه القصيدة ، وكأنه الكاتب يعيد صياغة ما كتب ! . و لتنطلق من السجن حينها ترفرف ، أغنية صادقة ، مليئة بالعواطف والأماني ، وبصوت يفيض مشاعر دفء وحزن وشجن . يغني مجيد ، حبيبتي !!! فكم ياترى له من حبيبة ؟ . وتتلقاها الآذان داخل البحرين وخارجها بشغف حنون وبتقدير وإحترام لهكذا نوع من الإبداع الفني .

حبيبتي ،
وأنتِ تغرقينَ في بحيرةِ الأحلامِ والعطورِ
والدفءِ والصفاءِ والسكينة،
هل تذكرينَ فارساً غيبهُ الليلُ عن المدينة؟
محملاً بأجمل القصائد
حبيبتي ،
وأنتِ تنعمينَ بالأماني في فراشكِ السعيد
تذكري مُحبكِ البعيد
يصارعُ الرياحَ والقراصنة،
ويغزلُ القمصانَ للربيع .
وهاتفاً من صوتكِ الحنون،
يزرعُ داخلي طحالبَ الجنون،
وشمسُكِ الدافئة البعيدة ،

واللهفةُ الجامحةُ العنيدة
“سعيرُها يظلُ في أوار
معزوفتي الضامئةُ الأوتار”
حبيبتي،
ورغمَ ما في قلبكِ الصغيرِ من جفاء
ورغمَ ما تُبدينَ من دلال،
يا أجملَ النساء ،” يا أقربَ الأحباب ، يا أجملَ الورود”
تذكري مسافراً غابَ عن الوطن،
ففي غدٍ يعود ، وفي يديهِ باقةً من الورود.


كُتبت خلال السنوات الأربعين الماضية العديد من قصائد الحب الوطنية المعبرة ، صاغتها قريحة شعراء البحرين وأدباءها . و لكن يبقى أن هناك قصائد وأناشيد غنائية لُحنت ، وبقية أسماء كُتابها ومُلحنيها في طي الكتمان لأسباب كانت أمنية بحته.
ومثالٌ على ذلك إنشودة “يا درة الخليج” من كتابات الشاعر الشهيد سعيد العويناتي أثناء دراسته ببغداد ومن ألحان الفنان العراقي المبدع جعفر حسن والتي تقول :

يا درة الخليج يابلادي
يا شعلة الخليج يابلادي
يا حلوة النبال ، هيا إلى النضال
بالدم والفداء ، هيا إلى الكفاح ، يا بلادي
نقتحم السجون والمعاقل ،
ونكسرُ السلاسل
لأننا كالطود ، كالبناء ، كالمعاول
يا حلوة حفرتها بالدم في شوارع المحرق القديمة
يا حلوة حفرتها بالدم في شوارع المنامة القديمة
بالدم في المصانع ،
بالدم في المعاقل ،
يا حبيبتي ،
يا شعلة الخليج يا بلادي،
البحرين


كان للإتحاد الوطني لطلبة البحرين فرع الكويت أبان السبعينيات دور مميز في العطاء الوطني ، إنعكس بالإيجاب على الإبداع الفني في البحرين، وساعدت بيئة الكويت الرحبة في السماح لنموه ، وأثمر هذا النشاط الفني مبدعين في الكتابة والتلحين والأداء مثل خالد الشيخ ومحمد يوسف ويوسف الحمدان و أحمد العجمي وعلي الديري ويعقوب يوسف ، وعيسى جعفر ، ومريم زيمان ، والكثير من المؤدين والمشاركين في اللوحات التعبيرية للأبريتات ، سواءً بأدائهم الفردي أو ضمن فرق العروض والكورال . إذ ساهمت تلك الطاقات و بحماس شديد ، في صنع وأداء قوالب الأغنية الوطنية بتنوع أشكالها الأدبية والفنية.وقد شملت مساهمات لعناصر نسائية ورجالية أعطت للأداء الفردي والجماعي زخم وعنفوان يعز علينا حضوره و نفتقد الآن نكهته.

أثمر النشاط الفني لطلبة البحرين – فرع الكويت ثماراً تبعث بالفخر والإعتزاز ، وكان لتجربة محمد يوسف وخالد الشيخ في البوم عذاري و المجموعتان التان تلته ، ريادة وحضور مؤثر في رسم وتوجه الأغنية الوطنية في البحرين ، ومن المؤسف توقف تجربتهما المشتركة عند ذلك الحد . كما ولتجربة يوسف الحمدان في كتابة الأبريت الغنائي و تعاونه مع علي الديري ومريم زيمان في تلحين وأداء كلماته ، وإن إقتصر ترديدها وسط حلقات ضيقه ، و في عروض الحفلات الطلابية ، إلا أنها أكملت صورة النضج الفني الذي تحلى به هذا الوسط الطلابي بحيويته وولاءه للوطن .
وأدعوكم الإستماع إلى جزء من هذين النموذجين :

أقدم لكم نموذجين :
1- “وطني أوال” من كلمات الشاعر أحمد العجمي – الحان الفنان يعقوب يوسف

وطني أوال ،
وطني الذي قد غردت له الطيور ،
وسجل التاريخ أسماء له ،
فوق السماء ، في النخيل ، وفوق أمواج البحار
وطني أوال ،
يا تراب الغد الخطيب
يا شمسنا لن تعرف المغيب
عندما نحتضن ، وتضحك الزهور في موسم الربيع
أمي ويا قبلتي في الحياة
سأحميكِ من غارة المعتدي
وأدفع عنكِ جيوش الغزاة
وأعطكِ يدي
إننا نفديك أرواحنا
لنوقد الأمل ، ونسقيكِ الدماء
وقطرة المطر
فأنتِ حبنا

أداء:فرقة صوت عذاري

نموذج 2:
– “في ظلام الليل” من كلمات الناقد يوسف الحمدان – الحان الفنان علي الديري

في ظلام الليل ،
في أحلك ظلام ،
إنتظرنا يا أوال فرحة عرس
تجعل الليل نهار ،
شمسهُ لا تغربُ
نورها في كل دارٍ ، في الظلامِ ساطعٌ
إنتظرناها سنين ، دون يأسٍ أو كلل
إنتظرناها وقلنا ،
كل صعبٍ قد يهون
إنتظرناها وكنا ننتظر صوت البشير
إنها فرحةُ عرس ، فرحة الطير الطليق
إنها قبلةُ حب ، قبلةُ الشوقِ الكبير
إنها دارُ سلام ، للطريدِ والغريق
كيف ننساها ونحن قد نسجنا ثوبها ؟
كيف نهجرها ونحن قد فتحنا بابها ؟
كيف نهلكها ونحن قد صنعنا زادها ؟

فقريباً سيزولُ كل الضباب
وقريباً ستهون كل الصعاب
وتطوف الفرحة في كل البقاع
سيدوي الفجرُ حتماً صادحاً،
اليومُ زفاف ، اليومُ زفاف.

وأستمر نشاط هذه الكوادر الفنية في هذا النوع من الإبداع بعد عودتها الى البحرين من خلال فعاليات المسارح و الأندية الوطنية ، وأثمر تجارب مميزة ، لها أهمية كبيرة ضمن مسار الأغنية الوطنية في البحرين .

وكان لفرع القاهرة العنفوان والفعل نفسه . وقد ساعد وجود عدد من الطلبة المتخصصين بدراسة فنون الموسيقى ، في الخروج بإبداعات فنية ذات قيمة عالية ، تركت أثرها الواضح على الأغنية الوطنية في البحرين ، تكللت بصدور ألبوم سلس ومحبب لاذن المستمع في الخليج عامة ، وفي البحرين على وجه الخصوص . وهو
ألبوم “مشموم وين الشعر” من ألحان وأداء الفنان المبدع أحمد الحداد ، ومواويل الشاعر علي عبدالله خليفه ، من ديوانه الرائع “عطش النخيل”. أغانٍ تلقفتها الآذان وأحسنت الإصغاء لها . حلق بها الحداد عالياً ، ولا زال الحداد يحلق في فضاء واسع !.

كما كأنت هناك أغانٍ تكتب وتلحن ، تُرادِف في تناولها ما شاع بين الوسط الطلابي بالكويت من إهتمام بالأغنية الوطنية . ساهمت كوكبة من الموهوبين في صنعها ، مثل محمد باقري ، وحسين الموسوي ،وعيسى ملكة ، وإبراهيم عيسى العلوي ، وحسين الحليبي ،وبسام الذوادي ،ويونس علي أحمد ، وهدى عبدالله ، ، وعبد الرحمن حسين ، وخليفة زيمان وغيرهم من المهتمين بالإضافة إلى المساهمة الفعالة والناضجة للفنان اليمني المتميز جابرعلي أحمد .

وهذه بعض النماذج :

أرضنا تلد الأسود
شمسنا ، شمس الخلود
ليلنا وعود ،
في بيوت الكادحين ،
يسرقون العدى المنام
يسرقون الإبتسام
يا بذور الشر موتي
يا جذور النخل عيشي
لنسيم الإنتقام
مارس يا أمل الطريق
أنت للشعب دليل
والدرب طويل

من كلمات إبراهيم عيسى العلوي
لحن أوربي ، إعداد موسيقي : محمد باقري

أن أموت وتبقى عاليا يا نخل موطني المجيد
تلك قسمتي التى لها أبقى أو أباد
شعبنا المعطي الأبيُ
صامداً كالطود كالحديد
ياحثاً عن عالماً زاهياً وطناً سعيد
النضال الصعب دربنا لغد زاهر جديد
إرهابهم لن يخيفنا ،
نحن أقوى،
ولن ، ولن نحيد
جرحنا إن طال شافيا ، حين تنزاح القيود
لنغني ما إستطعنا ، لندع صمودنا يزيدُ
أوالاً يا زهرا بقلبي يا حبي الوحيد
إننا دما وروحا نبني الصرح العتيد
ليظل الفجر دوما مشرقأ
لشعبك العنيد

كلمات وألحان : من داخل البحرين
تنفيذ طلبة القاهرة

بحرين يا أم النضال العنيد وراية السلام
يخوض غمار الصراع المجيد عمال ، أحرار
كل الشعوب في يوم التضامن حية النضال
في موطني حية الكفاح
لا لن نهاب تلك الزنازن ،
لا لن نخاف تلك السجون
بحرين يا أم النضال العنيد وراية السلام
يخوض غمار الصراع المجيد عمال ، أحرار
نحن الشبيبة ، نرقب الشروق
اليوم قريب ، نرقب الشروق
المعتقلون شعلة الوطن تنير طريق نضالنا العظيم
بحرين يا أم النضال العنيد وراية السلام
يخوض غمار الصراع المجيد عمال ، أحرار
كلمات : ؟
من ألحان حسين الموسوي


بلادي أوال يا شعلة النضال ،
يازهرة الحياة ، وعزة الجلال
قاومي الظلام ليأتي الضياء ،
جففي الدموع وعانقي السماء
غني للجذور وحدي الجموع ،
أحضني الورود أوقدي الشموع
في ذكر شباط يرفرف الحمام
وتنشر الطيور تحية السلام
جبهة التحرير قلعة الصمود
زيتونة الربيع ومنبع الأسود
كلمات : حسين الحليبي
من الحان : جابر علي أحمد

ياتربتي، يا موطن الحق يا نور الحياة
ياتربتي، يا غدير الحب يا سر الحياة
غايتي ،أعشق فيك أهلك الطيبين
نور سماك والطبيعة ،
أرقي في الليل وانتِ حزينة
بذركِ دموع الصبر الحزينة
لن يطول الليل يا موطني
لن يطول يا قلعة الحياة
هاتفاً جاء ينادي للحياة
ويقول سيظهر الشروق
سيعود نسيم الحب ،
سيظهر الشروق

كلمات ؛ ؟
من الحان حسين الموسوي

أما تجاربي الشخصية مع هذا النوع من الأغاني والأناشيد فقد بدأت مع مشاركتي الفنية في أنشطة نادي الجيل الثقافي والرياضي بالمحرق بين 70-1974. ولا زلت أذكر أحد المنلوجات التي كتبتها مستعيناً بموسيقى للحن تركي معروف ، والذي سمعته كذلك يغنى بكلمات إيرانية . وجاء كالتالي :

طق المطر يا خالي ،
طق وخرب لي داري
رحت آدور على اسميت ،
قالوا لسميت أو غالي
جم مرة آروح السوق تدري أيش جرى لي
آشوف لسميت للتجار شحنوا لواري
وآنة بقيت لي نص كيس بارقع داري
قالوا لسميت مب ارخيص يا خالي

خلال دراستي في بغداد 1974 – 1977 كانت أهم تجربة لي مع الأغنية ، هي تلحين قصيدة ” دمع الدفاتر حبر ” التي كتبها الشاعر العراقي كاظم الرويعي ، يرثي فيها صديقه وزميل دراسته الشاعر الشهيد سعيد العويناتي . القصيدة التي نزلت على الصفحة الأولى من جريدة “طريق الشعب” ببغداد بعد أيام من إستشهاده. و التي جاء نصها يقول :
إلى الشاعر الشهيد سعيد العويناتي
الشاعر: كاظم الرويعي الحان : سلمان زيمان بغداد – ديسمبر 1976

دمع الدفاتر حبر … أو مرن إطيوفك
أو صبر المنابر شعر … من تشتهي شوفك ..
يا لعابر الظلمة .. الجبين هلال …
بالسيف جفك فتح مستقبل العمال ..
موال …
غناك النفط .. موال ..
وأنتشر صوتك ..
على سيف الرمل شلال …
وأفتحت باب الشمس ،
بالليل ..للأجيال …
أوما بين نشيده أو نشد ..
أبلونك نشوف الكاع …
يمسافر أويه الزلم ،
راية .. أو بحر .. واشراع …
تصرخ ، هلي .. يا هلي ..
الساعة تدك الساع ..
تعله الثعالب لون … تخله الفله أمن أسباع ..
أو لاكيتك أبهيبتك ،
أتعبر السفن بحرين ..
باجر أبعينك يشع ،
وأبدمك البحرين …
أو خافوا هتافك يصل ..
أو تكبر أجراس العمل …
أو حفروا أبدمك نهر ..
لن الدمه ياقوت !!
أو غنت صداك الأرض .
والصوت يشبك صوت …
ولسه ترن جلمتك ..
وأتظل ترن جلمتك ..
لجل الحياة انموت … لجل الحياة انموت …

ثم عدتُ الى البحرين في منتصف العام 1977، حيث تم منع عدد كبير من الطلبة الجامعيين وحرمت معهم من العودة الى كرسي الدراسة ، ومن مغادرة البحرين عندما سحبت جوازات سفر مجموعة من الطلبة الدارسين بالخارج.
وكان للأغنية حينها حضور ، يجبر الخواطر ،ويشد من الأزر . وقد يعتري النصوص بعض الركاكة اللغوية ، إلا أن لها فعلٌ كان ، ودور وطاقة إستطاعت أن تبوح بها ،وتنجزها بجدارة . وهي تفصح عن مرحلة ، ومثال لمستوى الأغنية والإنشودة في تلك الحقبة.

خلينا نغني يا طالب ياللي ممنوع من السفر
ما بتقدر كل فعايلهم تسد زخات المطر
خلينا نغني ، ونصمد هذا مو أول قهر
إحنا يا ما غيبوا عنا أهل مثل القمر
أصمدو اشكد ولا زالوا ينشدون الفجر
صج يا طالب خلوا الديره سجن
مطاردين بكل ممرات أو ركن
لكن إحنه يا ما علمنه الصبر
والأمل يكبر في كل طلة حزن

ثم كتبت أغانٍ للعمال والشبيبة ، ضاع بعضها بالكامل في قاع الذاكرة ، وبعضها أحتفظ بالألحان ، وتهرب مني أجزاء من بناءها النصي .
وهذه نماذج من المحفوظ في الذاكرة:

للشبيبة حبي يكبر
كلمات وألحان سلمان زيمان / 1977
للشبيبة حبي يكبر ، وتكبر الفرحة معاه
رحت آدور عن قمرنا ، شفت الشبيبة سماه

في كل فريج في كل دار
زرعنا أملنا أمطار

في المنازل ، والمصانع
في المقاهي ، والشوارع

ورودنا تنثرعطرها في كل حارة
وعند كل دار

********************************

يا شبية يا حبيبة ، توحدي لأجل أوال
شمسنا شمسٌ فريدة ، إتوهج دروب النضال

وحدة هدف وحدة دار
نحمي بلدنا بالنار

تعلى الراية الأبية
راية الوطن لا للطائفية

طيور بلدنا غردت لحن الشبيبة
عند كل دار


أشدب الحلوين بيَّن كلمات وألحان سلمان زيمان / 1977
أشدب الحلوين بيَّن ، هبوا يلَّه للنضال
شمس وسلام ،
قوة ما تنام ،
عزم ما يتعب ،
كلما توصلني هدية ، من أشدب إتلامس إيديَّ
أشيل للعالم وصية ، هبوا يلَّه للنضال
*********
وزعوا كل الشبيبة
وافرحوا أهل الجزيرة
اليوم مجلتنا العزيزة
بشارة عمر وانتصار



عمالنا ، أمل أطفالنا
كلمات وألحان سلمان زيمان /1978
عمالنا ، أمل أطفالنا
هاتوا اكفافكم تعالوا نصنع الوحدة بحديد
هاتو اشفاهكم وقبلوا جبهة الحزب الجديد
حيوا معانا الرفاقه ،
في موسكو وامريكا ، والمنامه
وهللوا للعمال ، في إنتفاضة العمال
ياهلا بالعمال ، ياهلا بالعمال
عمالنا ، أمل أطفالنا
هاتوا اكفافكم تعالوا نصنع الوحدة بحديد
هاتو اشفاهكم وقبلوا جبهة الحزب الجديد
إحنا شعلنا على لشموع ، شمعة
معاهم حمامة ، شاعر ذا إرادة
وهللوا للعمال ، في إنتفاضة العمال
ياهلا بالعمال ، ياهلا بالعمال


وتنوعت مواضيع الأغنية الوطنية يتجربتي ، أما آخر أغنية كتبتها ولحنتها فكانت في في سبتمبر من العام الماضي 2004 وجاءت رثاء للشهيد الطبيب هاشم العلوي ويقول نصها :

يا ساكن في هواك
***
صوت الوطن ناداك
خذت الفرح وياك
***
يا ساكن في هواك
خليتني في البردِ والونّات
واشعلت في القلب نار وكيات
***
يا ساكن في هواك
مرج النخل يهواك
ورد الثرى غناك
***
يا ساكن في هواك
يا مسيِّر الروح ، هاشم يا دانات
للوطن راية ، وحرية ، وحكايات
***
يا ساكن في هواك
مرج النخل ناداك….
هاشم لا ما ننساك ….
كل القلوب تهواك ….
لا بالله ما نسلاك …
ورد الثرى غناك …..



يطول الحديث ويذهب عميقاً ، حتى يفي كل التجارب المترامية الأطراف في هذا الحقل. وما تقدم ليس إلا موجز ومقتطفات من رحلة أعنيتنا الوطنية في البحرين ،أتمنى أن يجتهد الجميع في حفظ وتوثيق ما لم يزل باقٍ منها في الذاكرة ، وتحفيز ذاكرتنا لاستعادة ما ترسب في قاعها بفعل الزمن الأغبر، حفاظاً على ممتلكاتنا الثقافية والوطنية .


سلمان زيمان  

ترك الرفيق سلمان زيمان تراثاً سيبقى

=