ألف لا شلة

 

عرفتُ عبر أربع نساء توليْن تباعاً ”تعليمي” القرآن كيف يصبح ”الألِفُ الذي لا شيء له” والباء التي ”من تحتها نقطة” مفاتيح عالمٍ يزداد اتساعاً. ما عليكَ إلا معرفة أشكال ربط الحروف بالحروف. وكلما ازدادت معرفتك بالأشكال المختلفة للحروف وأشكال ربطها ببعضها البعض ازداد العالم اتساعاً حتى ولو ضاقت بك الدنيا.

لا أتذكر أسماءهن ولا أظنني سأتعرف الآن على مواقع بيوتهن بسبب ما أصاب قصبة المنامة من تغيرات. ولكنني أتذكرهن جميعاً بامتنان. نقلتني أمي بينهن لأسباب لا أعرفها فتعددت أسباب امتناني لهن ولها. فلقد نجحن في تعليمي أن أندهش بالخطوط وهي تتداخل لتخلق سحراً يبهر. ما  أبدع القول أن من البيان لسحراً.ا

أتذكرهن الآن، بعقلٍ رجل مضى زمنٌ على تقاعده، فأبتسمُ شاكراً لهن حناناً توزع بيننا أولاداً وبناتاً. فلا أتذكر أنهن استخدمن خيزرانة أو فلقة لتأديبنا كما كان يفعل غيرهن بغيرنا. وأبتسم أيضاً شاكراً لهن أنهن زرعن في طفل عمره أربع سنوات بذرة الانبهار بالحرف. وعلّمنه كيف يَربط حرفاً بحرف ليرى الحروف كلمات مقدسة كما في آيات حفظها عن ظهر قلب أو في كلماتٍ فاحشة تعلّم استخدامها في الطرقات بين بيت الأم وبيت المعلمة.

رحم الله أمي ورحم معلماتي. فلقد علمنني كيف يصبح الحرف مفتاحاً لعالمٍ لا يحدّه إلا التعب. والتعبُ اختيار

 


 

أُعيد نشر هذه الفقرة من مقال قديم نشرته جريدة الوقت  في البحرين 2009 في ضمن سلسلة  “سوق الجنة”ا

 

https://abdulhadikhalaf.wordpress.com/2012/01/14/%D8%B3%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%A9-%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D9%8C-%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85-14-%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%B3-2009%D9%85/