في 27 تموز/ يوليو الماضي، نشرت وسائل الإعلام أخباراً عن نية الرئيس الأميركي ترامب دعوة حكام بلدان الخليج العربية لحضور اجتماع قمة في العاصمة الأمريكية في منتصف شهر تشرين الأول/ أكتوبر. تهدف القمة – حسبما نُشر – إلى “رفع مستويات التعاون بين قادة الخليج والولايات المتحدة في مختلف الأصعدة الأمنية والعسكرية والسياسية، وفي مواجهة إيران”. وأشارت الأخبار إلى أن الإدارة الأميركية تسعى أن تقرر القمة الخليجية/ الأميركية القادمة إعلان تشكيل إطار مؤسسي تحت إسم “التحالف الإستراتيجي شرق الأوسطي” – “ميسا” ( The Middle East Strategic Alliance).
الإعلان المنتظر كان متوقعاً أن يتم قبل أكثر من سنة، أي في ختام “الزيارة التاريخية” التي قام بها ترامب إلى الرياض في 22 أيار/ مايو 2017. لم تدم تلك الزيارة أكثر من يومين، إلا إنها شهدت إنعقاد ثلاثة إجتماعات قمة: واحدة ثنائية جمعت الرئيس الأميركي بالملك السعودي، وثانية جمعته مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، وثالثة جمعته مع ممثلي نحو 55 دولة عربية وإسلامية إحتشدوا للقائه في الرياض.
ترامب وتأجيل إعلان الحلف الجديد
لم تتوصل القمم الثلاث إلى إتفاق حول إعلان الحلف الجديد. إلا أنه من المرجح أن تأجيل الإعلان في قمم الرياض عن الحلف الجديد كان قراراً أميركياً. على الرغم من ذلك، لا تتوفر معلومات حول أسباب التأجيل، سوى تكهنات يتعلق بعضها بشكليات من قبيل اسم الحلف المقترح، والدول التي ستشارك في تأسيسه، علاوة على تحديد الدول التي لن يسمح لها بالمشاركة فيه.
في معرض تفسير قرار التأجيل يبرز ما يتعلق بعدم قدرة الإدارة الأميركية برئاسة ترامب حتى الآن على صياغة إستراتيجية متماسكة لمنطقة الشرق الأوسط برمتها، بما فيها الخليج العربي. كما لا يمكن التقليل من أثر ما دار في كواليس القمة الخليجية بالذات من مناكفات بين الأمارات والسعودية من جهة وقطر من جهة أخرى، وتنافس الطرفين على تقديم التسهيلات السياسية والإقتصادية والعسكرية بهدف كسب ود الرئيس الأميركي. وقد تكون هذه العوامل ترافقت معاً لتجعل ترامب، حين كان في الرياض، في غير عجلة من أمره. وعلى الرغم من “تردده” – بل ربما بسبب هذا التردد – منحته السعودية وحدها عقوداً تجارية تفوق قيمتها 380 مليار دولار بما فيها عقود عسكرية بأكثر من 100 مليار دولار. ولذلك إكتفى المشاركون في القمم الثلاث بالصياغات العامة التي تضمنها ما سمي بـ”إعلان الرياض” الذي أكد على “الشراكة الوثيقة بين المشاركين لمواجهة التطرف والإرهاب بجميع أشكاله، والتصدي لجذوره الفكرية، وتجفيف مصادر تمويله”، و”تعزيز التعايش والتسامح البنّاء بين مختلف الدول والأديان والثقافات”، و”العزم على التصدي للأجندات المذهبية والطائفية والتدخل في شؤون الدول”.
الحلف الجديد متعدد الأسماء
عادت أغلب وسائل الإعلام إلى تداول اسم “الناتو العربي” الذي كان يتردد في وسائل الإعلام في السنتين الأخيريتين في موازاة “الناتو الإسلامي” و”الناتو الشرق أوسطي”. يعكس تعدد الأسماء إختلافاً في تصورات المعنيين بتأسيس الحلف لجهة تركيبته وشروط العضوية فيه ولدوره الإقليمي ولدور دولهم فيه وفي مؤسساته. من منظور المصالح الأميركية، فإن الصورة المثالية لهذا الحلف تتمثل في أن تتولى الولايات المتحدة قيادته، وتقوم السعودية والإمارات بتمويله، بينما تتعهد مصر والأردن بتوفير القوى البشرية التي ستتطلبها المهمات التي ستُوكل إليه. وفي مرحلة لاحقة، أي بعد تمرير صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية، ستكون عضوية إسرائيل في الحلف تحصيل حاصل. لا يوجد ما يشير إلى إن هذه الرؤية الأميركية تتطابق مع رؤى الحكام العرب في بلدان الخليج ومصر والأردن، المعنيين مباشرة بمشاركة الرئيس الأمريكي في تأسيس الحلف الجديد. وفي الوقت نفسه، فليس ثمة ما يشير إلى إعتراضات هؤلاء الحكام العرب على تلك الرؤية، ناهيك عن قدرة أيٍ منهم على رفضها أو مقاومتها.
وتشير الإجراءات التي إتخذها بن سلمان الى إقتناعه بأن الدور المركزي العسكري في الحلف الإسلامي هو للباكستان النووية، وليس لمصر أو غيرها. وفي هذا بعض ما يفسر إن أولى القرارات التي إتخذها ولي العهد السعودي لتنفيذ مشروعه الإسلامي هو تجنيد عدد من كبار الضباط الباكستانيين، بمن فيهم رئيس جهاز الإستخبارات العسكرية الجنرال أحمد شجاع باشا والقائد السابق للجيش الباكستاني الجنرال رحيل شريف الذي أُسند إليه منصب القائد العسكري للتحالف الإسلامي. وكان لهذا الأخير دور بارز في إجتماع “مجلس وزراء دفاع التحالف الإسلامي” الذي إستضافه ولي العهد السعودي في الرياض في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وأبدى إرتياحه الى أن دول التحالف “سوف تعمل معاً وسوف تنسق بشكل قوي جداً لدعم جهود بعضها البعض، سواء الجهود العسكرية أو الجانب المالي أو الجانب الاستخباراتي أو الجانب السياسي، (على أساس أن تقدم كل دولة ما تستطيع) في كل مجال حسب قدراتها وإمكانياتها”. قريباً، سيجد ولي العهد السعودي وغيره من حكام المنطقة الحالمين بدور قيادي أنفسهم مرغمين على التنازل عن تلك الطموحات كافة إرضاءً للرئيس الأمريكي وأملاً في إستمرار الحماية الأمريكية لأنظمتهم.
حلف بغداد بدون أعمدته
في تشرين أول/ أكتوبر القادم سيجد كثيرون أسباباً لإستعادة أجزاء من تاريخ الهيمنة الغربية على منطقتنا ومقارنتها بأحوالها الراهنة. فقبل أكثر من ستة عقود، توافقت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية على إقامة حلف أمني/ عسكري تحت إسم “منظمة إتفاقية الشرق الأوسط” (“ميتو” بالحروف الأولى من إسمه باللغة الإنجليزية). كان من المقرر أن تشارك في ذلك الحلف دول عربية وشرق أوسطية لمواجهة الاتحاد السوفياتي و”حماية شعوب المنطقة من الخطر الشيوعي”. إلا إن الضغوط الغربية، وخاصة الأمريكية، فشلت في إقناع قادة الدول العربية الأخرى، وخاصة مصر، بأن مصدر “الخطر الرئيس على الأمن والسلام في المنطقة هو الإتحاد السوفياتي وليس إسرائيل”. ولهذا إقتصرت عضوية ذلك الحلف، الذي عُرف فيما بعد بـ”حلف بغداد”، على تركيا والباكستان والعراق وإيران وبريطانيا. لم تصبح الولايات المتحدة الأمريكية نفسها عضو في ذلك الحلف، ولكنها شاركت في أنشطته العسكرية. لم تكتف مصر بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر برفض الإنضمام إلى “حلف بغداد”، بل قادت حركة شعبية واسعة شملت الوطن العربي برمته في مواجهته، بإعتباره حلفاً يخدم مصالح القوى الإمبريالية. وسقط ذلك الحلف بعد الثورة ضد النظام الملكي في العراق.
ستنعقد القمة الأميركية/ الخليجية القادمة في واشنطن قبل ثلاثة أسابيع من إعلان الرئيس الأميركي عن الدفعة التالية من العقوبات على إيران والتي ستشمل حظر تداول النفط الإيراني. ولهذا لا يتوقع أحدٌ أن يسمع الرئيس الأميركي إعتراض أيٍ من ضيوفه الخليجيين والعرب على رؤيته للحلف الجديد في الشرق الأوسط… أي حتى لو تضمنت وثيقة إعلان ولادة “التحالف الإستراتيجي شرق الأوسطي – ميسا” ما يشير صراحة أو ضمناً إلى عضوية إسرائيل فيه. فلقد وافق أغلب هؤلاء على الشعار الأمريكي القائل بأن “الخطر الرئيس على الأمن والسلام في المنطقة هو إيران وليس إسرائيل