قبل سبعة أشهر رحل الصديق العزيز أحمد بن سند. لم أتمكن وقتها ولأسباب متداخلة من مشاركة أهله ومحبيه ومعارفه في توديعه. ولكنني أعرف أن أبا زياد رحل وهو يعلم إنه في فترة وجوده على هذه الأرض أغنى حياة كثيرين ممن عرفوه وصاحبوه. وأنا منهم.
كان أحمد واحداً من عشرات ثم مئات من أولاد وبنات جيله ممن حملوا على سواعدهم اليافعة وقتها مسئولية إتمام المسيرة التي بدأتها هيئة الإتحاد الوطني في 1954. تلك المسيرة التي تخيّلت السلطة الرجعية بحماية ودعم المستعمر البريطاني إنها ستتوقف بسجن قادتها ونفي بعضهم وبأشاعة أجواء الخوف على لقمة العيش بين الناس. إلا إن جيل أحمد أفشل تلك الخطة وعمل على إستمرار تلك المسيرة التي نراها مستمرة وبدروب مختلفة حتى اليوم.
لحسن حظ البحرين كان أحمد بن سند ومثله كثيرون من جيله شباباً متفائلين بقدرتهم على صياغة المستقبل بتغيير معطيات الواقع وإعادة بناء مجتمعنا كي يشارك في بناء عالمٍ متحرر من كل أشكال الإضطهاد بما فيها الإضطهاد القومي والديني والعنصري. سار أحمد نحو ذلك الهدف في طريقٍ وسار غيره في طرقٍ أخرى ولكننا جميعاً كنا نعرف, رغم الجدل والإختلاف, إن تحقيق هدفنا لن يتم إلا عبر تحرير الوطن من كابوس الرجعية والسيطرة الإستعمارية.
إلتقيتُ أحمد, للمرة الأولى ربما, في أثناء مشاركتنا في الحملة الإنتخابية لقائمة “كتلة الشعب” في إنتخابات 1973 ضمن أجواء التفاؤل التي سادت البلاد وقتها بأن البحرين تتجه إلى مستقبل يليق بها بعد تخليصها من نظام الحكم القبلي بعد أن وضَع دستور 1973, على علاّته, الأسس اللازمة لبناء دولة حديثة. بعدها بثلاث سنوات إلتقيته في الكويت فيما أصبح “لقاءات دورية” إستمرت لأكثر من عشر سنوات.
كان بوزياد حين إلتقيته في الكويت متعدد الأعمال بما فيها إنه وكيل طيران اليمن الديمقراطي (أليمدا) في الكويت. وبصفته تلك كان يستقبل ركاب طائرة أليمدا التي تتوقف ليلة كاملة ترانزيت في الكويت في طريقها من بيروت وعدن أو العكس. سهلّت جهود الراحل العزيز لنا أن نستخدم هذا الخط للإلتقاء برفاقنا المقيمين في الكويت او القادمين للإلتقاء بنا من البحرين. لم يكن أحمد بن سند يجهل مقدار المخاطرة التي يقوم بها في وقتٍ ساد الخوف فيه حتى صار بعضنا يخاف من ظله فما بالك بالجلوس مع منفيٍ ومطلوب. لا داعي للتفاصيل هنا إلا إنني حين أنظرإلى الوراء أعرف أهمية تلك اللقاءات في الحفاظ على وحدة النتظيم رغم الهزات الشديدة وقتها.
رحمك الله يا بوزياد فلقد خدمتَ وطنك. وخدمتَ أبناء وبنات وطنك ولم تسألهم مقابلاً ولا حتى عرفاناً. ولكنك تبقى, مثل بقية حبًات البذار من جيلك, حياً في ذاكرة الوطن الذي حلمتَ به منذ كنتَ يافعاً وبقيت وفياً له حتى رحيلك
عبدالهادي خلف
29 ديسمبر
2015