القبيلة في قبال الطائفة. هكذا درج الحكم –منذ وطأت أرجل الغزاة فوق هذه الأرض– في التعامل مع “الورطات” التي يجره إليها تخبطه في مواجهة شرعية مطالب المعارضة. هكذا يتم تدوير القضايا.. من قضية وطن، إلى قضية طائفة، إلى قضية معتقلين، وقد خاب طيبو النية.
أكتب هذا الكلام بحرقة، منذ تناهى إلى أسماعي لقاء الشيخين (الغريفي وقاسم) مع الملك أمس الأحد. من حيث المبدأ ليس هذا اعتراض على لقاء بعض من نثق في نظافة سريرته بأي وجه من وجوه النظام، صغر أم كبر، لاحتواء مايمكن احتوائه بعد المأزق الأخير الذي وضع الحكمُ الجميعَ في قباله. الاعتراض على استراتيجية “القبيلة والطائفة” التي يفعِّلها الحكم كالعادة في أوقات الأزمات، ونقع في شركها نحن الطيبون مرة بعد مرة.
لانريد أن نذكِّر هنا بالخطل الذي وقع فيه التيار الإسلامي الشيعي، غداة طرح الميثاق، حين جرت التسوية في “الصافرية” بين رموزه “وحدهم” الذين خرج بعضهم من السجن تواً وبين النظام، غير آبهين بسعة وتنوع قطاع الحركة الوطنية من ورائهم. ولانريد أن نذكر هنا باستفراد الحكم في لقاءاته مع الفئات المختلفة المكوِّنة لفسيفساء المجتمع البحريني، بعد كذبة الميثاق.. كلٌّ على حِدَة. السنة لوحدهم. الشيعة لوحدهم. اليسار لوحده… إلخ، فيمايسميه عبدالهادي خلف “التشطير العمودي بين الإثنيات“.
لانريد أن نذكر بكل ذلك، لكن ليس علينا إلا أن نحذر منه. مايجري من تصعيد أخير من قبل الحكم هو شيء طبيعي. وربما كان على الجميع توقعه. ولكن لنترك الجمعيات السياسية وحدها من يدير اللعبة. هذه ليست دعوة لاستقالة رجال الدين، فبقائهم على خط الحدث قوة –أقول ذلك مكرهاً !-. فقط أرجو أن لايحوِّلوا شغل الجمعيات إلى “حيص بيص“، تحت طائلة وجاهتهم ونفوذهم الرمزي.
لقد سعى أحد ممثلي الحكم في لقاء جمعه بالشيخ علي سلمان إلى جعل قضية المعتقلين قضية جمعية الوفاق، فماكان من رئيسها إلا أن رفض ذلك باعتبار أنه وَفَدَ إلى اللقاء ناطقاً باسم الجمعيات الأربع. الخشية أن نمنح الحكم مالم يحصله من رئيس الوفاق بواسطة وجاهات أخرى غيره. القبيلة في قبال الطائفة. وتلك الأيام نداولها.
ماهر الزيرة
منشور في ملتقى البحرين بتاريخ
10/5/2004