معركة أُحد المستمرة

فيما يلي نصٌ نشرته جريد الوقت في  أواخر نوفمبر 2008  بعنوان معركة أحد المستمرة وهي قد  تصلح للتذكير بمناشدات سابقة قام بها كثيرون قبل   2001  وبعد ذلك  لإنقاذ متا يمكن إنقاذه من عنفوان المعارضة وقتها.  ولكن تلك المناشدات ضاعت في خضم الصخب  الذي كان سائداً وقتها عن “المشروع الإصلاحي” و عن متطلبات  الوقوف مع “الحرس الجديد في وجه الحرس القديم” وعن “وحدة إرادة الملك والشعب”. ناهيك عن عبارة “أجمل أيامنا تلك التي لم نعشها بعد” التي كان حمد يرددها دون أن يدري من هو الشاعر المناضل الذي قالها. 

  

لا علاقة لهذه المساهمة القديمة بالدعوة الي “المراجعة” التي يكررها بعض من تدافعوا منذ 2001  حول أسلاب أُحد البجرينية

———————-

معركة أُحد المستمرة

لم ينتبه المشاركون في ندوة نادي العروبة قبل سبع سنوات إلى ما يُحتمل أن يكون وراء ترديد الشيخ عيسى بن محمد عبارة «في فمي ماءٌ وهل ينطق من في فيه ماءُ». أما الآن وقد صار ما صار فلن يُلام من يتخيل أن ما حدث في فبراير/ شباط 2002 كان هو ذلك الماء الذي اشتكى الشيخ منه .

إلا أنني ما زلتُ مقتنعاً أن المسار الذي قيدت البلاد إليه منذ فبراير/ شباط 2002 لم يكن سوى أحد مسارات عدة متاحة لدى السلطة. ومازلتُ مقتنعاً بأن القرار النهائي لم يُتخذ بعد حين اجتمعنا في قاعة نادي العروبة. فلقد كانت السلطة في حاجة لأن تكتمل جهود شرذمة المعارضة تمهيداً لما سيحدث .

أجدُ في مداخلة أخينا علي ربيعة ما يفسر تسارع الحوادث لتتخذ الشكل الذي أخذته في فبراير/ شباط 2002 وما بعدها إلى أن وصلنا إلى الحالة التي نعاني منها الآن. فلقد كان ربيعة أقل الحاضرين تفاؤلاً وأبلغهم تعبيراً عن توجسه. استهل حديثه بتأكيد استمرار المشكلات في البلاد إذا ما استمر غياب البرلمان.    لهذا ورغم اقتناعه بأهمية وإلحاح المشكلات الكثيرة الأخرى شدّد على أن أولى الأولويات هي تسريع الانتخابات التي ستسفر عن برلمان قادر على ممارسة دورَيْه الرقابي والتشريعي.     ولم يخفِ ربيعة توجسه من افتعال المبررات للتباطؤ في إعادة الحياة البرلمانية. وقارن ذلك التباطؤ بسرعة جهود الحكم في مجاليْن آخرَيْن.       إذ لم يتطلب حل المجلس الوطني وإيقاف الحياة النيابية في 1975 أكثر من مرسوم أميري من بضعة أسطر. ولم يستغرق إعداد ميثاق العمل الوطني وإجراءات الاستفتاء عليه أكثر من ثلاثة أشهر ونصف. فلماذا لم يُصدَر مرسومٌ من بضعة أسطر بإعادة الحياة البرلمانية؟ فكل ما نحتاجه هو «لجنة مصغرة لصياغة اقتراح التعديلات الدستورية» للتحول إلى مملكة دستورية وإعطاء المرأة كامل حقوقها السياسية وإضافة مجلس الشورى ذي الصلاحيات الاستشارية. تفسير التباطؤ قد يكمن في الرغبة في تضييع الوقت إلى حين استكمال الإجراءات اللازمة لتمكين السلطة من اتخاذ قرارها النهائي .

رغم حدة انتقاده للسلطة، إلا أن علي ربيعة سارع إلى التأكيد أن تدهور الأحوال ليس مسؤوليتها وحدها.  فها نحن ومازلنا في أول الطريق، بحسب قوله، نفاجأ بتفتيت الوحدة الوطنية. بل «إننا نعيش هذه الأيام أجواء غزْوة (أُحد).. مع فارق واحد هو أن في غزوة (أحد) كانت هناك غنائم ملموسة ممكن الجري وراءها».   أما نحن فصرنا نتخيل الإصلاحات حتى يتكالب بعضنا ضد بعض. عبَّرت تلك المداخلة الصريحة عن مشاعر كثيرين ممن تخوفوا من آثار ذلك التدافع بين وجوه المعارضة ورموزها وتسابقهم نحو مغانم الإصلاح الموعودة.   ولهذا طرح أبو ثائر أن الأولوية التالية في سلم أولوياته هي «إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الوحدة الوطنية». فلهذه الوحدة، ممثلة في «لجنة العريضة الشعبية»  دورٌ أساسي في المحافظة على ما توصلنا إليه وللإشراف على ما سيتم في المستقبل .

لا يختلف كثيرون مع علي ربيعة في أن الوحدة الوطنية كانت ضمانة استمرار الحركة الدستورية طوال التسعينات. فالسلطة تمتلك إمكانات كبيرة ولقد أثبتت قدرتها على استخدام تفوقها التكتيكي لإفشال تحركات معارضيها. بالمقابل كانت المعارضة تمتلك ميزة استراتيجية هي وحدتها، رغم ما شاب تلك الوحدة من شروخ كالتي أحدثتها «المبادرة» وتداعياتها. فعبر امتلاك المعارضة لتلك الميزة الاستراتيجية استطاعت تحقيق حالة توازن بينها وبين السلطة. صحيح أن المعارضة لم تكن قادرة على أن تنتصر على السلطة، لكنها، بالمقابل، لم تكن ستنهزم أمامها مادامت موحدة. ولعل في هذا الاستنتاج ما يفسر اضطرار الطرفيْن، أي السلطة والمعارضة، إلى البحث عن مخرج من عنق الزجاجة[1 ].

أجدُ الآن ترابطاً بين مداخلة الزميليْن عيسى بن محمد وعلي ربيعة. ولسوء الحظ، لم أنتبه لذلك الترابط وأنا جالسٌ بقربهما في قاعة نادي العروبة قبل سبع سنوات. ولهذا يراودني أحياناً السؤال هل كانا يعرفان ما لم ننتبه إليه؟ ربما كان الشيخ يعرف أن خيار أصحاب القرار يميل في اتجاه يختلف عما رسمته آمال قيادات المعارضة. وربما كان علي ربيعة يعرف أن تشرذم المعارضة لن يتوقف حتى حين يتبين سوء تقدير قياداتها لخطط السلطة ونواياها. وأن التشرذم سيستمر وستتفاقم آثاره ما ظلت «معركة أُحُد» البحرينية مستمرة وما لم يتوقف ما سماه ربيعة بالتكالب على المغانم والأسلاب .

لم يكن خيار التراجع عن المشروع الإصلاحي مطروحاً بحكم عوامل عدة، محلية وإقليمية ودولية، ولكن الخيارات الأخرى المتاحة للسلطة كانت كثيرة. ولقد تعرضتُ في مقال قديم بعنوان «ملاحظات أولية حول حالتنا» (وهي متوافرة في الفضاء الإلكتروني منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2001) إلى عددٍ من تلك الخيارات الواقعية المتاحة للسلطة. ومن بين تلك الخيارات: إيقاف العملية التغييرية عند الحدود التي وصلت إليها، أو إبطاء مسيرتها، أو خفض سقفها. إلا ان نجاح أيٍ من هذه الخيارات لم يكن مضموناً من دون اشتداد التدافع بين قيادات المعارضة وتعميق الشروخ في صفوفها .

يرجمُ بالغيب من يدّعي معرفة ما كان سيحدث لو استمعت القيادات الوطنية، الدينية منها واليسارية، إلى نداء الوحدة وحافظت على «لجنة العريضة الشعبية» قناة اتصال «وحيدة» مع السلطة قبل الاستفتاء على الميثاق وبعده. إلا أن المشروعات الطموحة التي حملتها القيادات التي عادت من منافيها في قم ودمشق ولندن جعلت علي ربيعة وأمثاله كمن يرفع الأذان في مالطة[2].     فيا لَبِئْسَ مَا شَرَوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ .

ويرجم بالغيب أيضاً من يدعي معرفة ما كان سيحدث لو لم تنشب معركة «أُحُد» البحرينية ولو لم يتدافع المعارضون نحو ما توهموا أنها استحقاقاتهم الشخصية أو الحزبية أو الطائفية. ولكننا لا نحتاج إلى ساحرٍ ليخبرنا إن كان بإمكاننا أن نصل إلى وضعٍ أفضل مما نحن فيه لوْ لم تنشب معركة «أُحُد» البحرينيةً المستمرة حتى الآن. بل إنني أقول إن خيار «المضي قُدُماً»، أي تنفيذ ما جاء في ميثاق العمل الوطني كان ممكناً أيضاً لوْ حافظت قيادات المعارضة على الوحدة الوطنية ولم يضع تدافعها نهاية لتلم الوحدة ويفتح المجال واسعاً لشرذمة المجتمع على النحو المخيف الذي نشهده في مجلس النواب وفي بعض شوارعنا. ،

[1][2] انظر: علي قاسم ربيعة، لجنة العريضة الشعبية في مسار النضال الوطني في البحرين، دار الكنوز الأدبية، بيروت .2007

=============================== 

http://www.aldemokrati.org/details.php?artid=4886