مونديال قطر 2022 – أنسنة أوضاع المهاجرين في الخليج العربي

مونديال قطر  2022 فرصة ذهبية لأنسنة أوضاع المهاجرين في الخليج

image

لم يكن متوقعا أن تفوز قطر بحق إستضافة مونديال 2022. فلقد كانت تواجه أربع بلدان كروية أكبر وذات خبرة مشهودة في تنظيم المنافسات رياضية العالمية مثل كوريا الجنوبية واليابان وإستراليا والولايات المتحدة الأمريكية. منذ ذلك الوقت لم تتوقف الإنتقادات لذلك القراروالتشكيك في أهلية قطرلتنظيم المنافسة الدولية.  ويمكن تجميع تلك الإنتقادات في سلاّت ثلاث. أولاها أشارت إلى ضعف البنى التحتية الرياضية في قطر وقلة خبرتها في تنظيم فعالية بهذا الحجم. علاوة إلى الإشارة إلى طقس الخليج غير الملائم لتنظيم مسابقة في مستوى جماهيرية كأس العالم.  والثانية شملت إدعاءات فساد طالت مسئولين في إتحاد كرة القدم العالمي (الفيفا) سهّلوا حصول قطرعلى حق تنظيم المونديال. ولم ينقطع حتى اليوم ما يُنشرعن “فضائح مزعومة” تتحدث عن أشخاص بعينهم وعن أرقام مالية محددة. أما السلة الثالثة فهي الإنتقادات المستندة إلى قراءة سجل قطر في إنتهاك حقوق الإنسان وخاصة حقوق المهاجرين الذين يشكلون أكثر من 80% من سكان الإمارة.

قطر  وأخواتها         

بعد 2010  أصبحت قطر واجهة بلدان مجلس التعاون أمام كل الجهات الإقليمية والدولية المعنية بالدفاع عن حقوق المهاجرين.  فلا تختلف معاناة المهاجرين في قطرعنها في بقية بلدان مجلس التعاون. وتتشابه الأطر القانونية والمؤسساتية التي تعتمد عليها سوق العمل في هذه البلدان المنشطر إلى شطريْن أساسييْن. أولهما شطر المواطنين الذين يتمتعون بحقوق إقتصادية وإجتماعية ومزايا  تتفاوت طبيعتها حسب قربهم أو بعدهم عن ولاة الأمر.  ثانيهما هو  شطر الوافدين الذين تتيح الأطر المؤسساتية و القانونية وأعراف السوق إستغلالهم وإنتهاك حقوقهم بل وحتى حرمانهم منها.

لهذا شهدنا خلال السنوات الأربع الماضية إزدياد الإهتمام الحقوقي والأكاديمي بما يحدث في مواقع العمل وفي معسكرات إقامة العمال المهاجرين ليس في قطر وحدها بل وفي بقية بلدان مجلس التعاون الخليجي.  ولقد تبين إتجاه هذا الإهتمام إلى التصاعد في التغطية الإعلامية للجلسة التي عقدتها لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي في بروكسيل في فبراير/شباط الماضي  لمناقشة تعهدات قطر بإيقاف إنتهاكات حقوق العمال المهاجرين. فلقد شارك في تلك المناقشات ممثلون عن منظمات كثيرة معنية من بينها “الفيفا” ومنظمة العفو الدولية ومراقبة حقوق الإنسان ومنظمة العمل الدولية والكونفيدالية الدولية للنقابات.

قطر تواجه المشككين

في البداية تراوحت التصريحات القطرية الرسمية والإعلامية من تلك الإنتقادات والنصائح بين الإستخفاف والغضب.  إلا إن الموقف الرسمي إستعاد سريعاً توازنه وصار يتسم في أغلب الأحوال بهدوء ملحوظ. وأخذت الردود الرسمية تعلن قبول بعض تلك الإنتقادات. وحتى حين تشيرإلى مبالغة وتهويل في بعض التقارير حول أهلية قطر لتنظيم عرس الكرة الدولي فإنها كانت تبدي تفهمها لها.  أما الإعلام القطري الرسمي وغير الرسمي فبقيَ متوثباً  للدفاع عن بلاده وولاة الأمر فيها. والفرق بين الموقفين هو الفرق بين جمهرهما. فإعلام قطر يخاطب حساسيات جمهور محلي بهدف  تعبئته والمحافظة على تماسكه وثقته بولاة الأمر بينما يتوجه الخطاب الرسمي أساساً لرأي عام عالمي.

إستطاعت قطر بسهولة أن تتجاوز الإنتقادات حول ضعف البنية التحتية وتلك المتعلقة بطقس الإمارة. فأعلنت عن البدء في مشروعات إستكمال البنى التحتية اللازمة بما في ذلك بناء مطار جديد ووسائل نقل جماعية حديثة ناهيك عن بناء وتسعة ملاعب جديدة مجهزة بوسائل تكييف مركزية لحماية اللاعبين  والمتفرجين من حرارة شمس الخليج ورطوبته. بالإشارة إلى موارد قطر المالية فلن تعاني ميزانيتها بسبب إرتفاع كلفة هذه المشاريع المرتبطة مباشرة بتنظيم مباريات كأس العالم.  فلقد بلغت قيمة العقود الموقعة حتى نهاية 2013 حوالي 33 مليار دولار اميركي. وما زال أمام قطر مصاريف أخرى خلال الثمان سنوات القادمة.  جدير بالملاحظة إن هذا ما صرفته قطر حتى الآن يتجاوز أضعاف ما صُرف على تنظيم المونديال في جنوب أفريقيا في 2010 (ثلاثة ونصف مليار دولار أميركي) أوما هو متوقع أن يُصرف على المونديال في البرازيل هذا الصيف (بين10و15  مليار دولار أميركي). من جهة أخرى تجاوزت قطرحتى الآن مخاطر إتهام  أيٍ من مسئوليها مباشرة في قضايا الفساد التي أثيرت وتثار ضد أعضاء المكتب التنفيذي لإتحاد الكرة العالمي

تزايد الإهتمام بأوضاع المهاجرين

ما لم  تستطع قطر تجاوزه بكل ما لديها من موارد مالية ومكاتب علاقات عامة هو مسئوليتها عن الأوضاع المزرية التي يعاني منها مليون ونصف المليون من المهاجرين الفقراء في الأمارة. بل لقد وفر حصول قطرعلى حق تنظيم المونديال فرصة ذهبية للمدافعين عن حقوق الإنسان بعامة وحقوق المهاجرين خصوصاً لتسليط الأضواء على جانب مظلم من صورة زاهية  تقدمها قطروغيرها من مشيخات النفط إلى العالم.

أسهم الإهتمام المتزايد بمعاناة المهاجرين في قطر وبقية بلدان الخليج في صدورعشرات الكتب والتقارير عن هيئات أكاديمية معتبرة ومنظمات دولية مدافعة عن حقوق الإنسان. كذلك إزداد بما لايُقاس الإهتمام الإعلامي بمتابعة أوضاع المهاجرين في منطقة الخليج وفي قطر على وجه الخصوص.  ولهذا يجد المسئولون في قطر وفي غيرها من بلدان الخليج إنهم لا يكسبون تعاطفاً بمجرد ترديدهم لعبارات علًبتها مكاتب العلاقات العامة من قبيل إننا “نواجه تحديات كثيرة على أرض الواقع ولكننا نسعى لإتخاذ الإجراءات الملائمة لمعالجتها”.

في  منتصف مارس/آذار الماضي أصدرت الكونفيدالية الدولية للنقابات تقريراً دامغاً يؤكد بالأدلة عدم إلتزام  قطر بالمعايير الدولية لحقوق العمال المهاجرين.  يعتمد تقرير”قضية ضد قطر” على زيارات ميدانية قام بها باحثون مؤهلون وشاركت فيها الأمينة العامة للكونفيدالية شاران بارو.  لا تنحصر أهمية ذلك التقرير فيما  أضافه من أدلة وشهادات وتفاصيل جديدة وكثيرة تدعم ما أوردته دراسات أكاديمية وتقارير أخرى أصدرتها هيئات دولية معنية بحقوق الإنسان بما فيها العفو الدولية و مراقبة حقوق الإنسان. يتميز التقرير عما سبقه في إنه طرح سلسلة متكاملة من التوصيات التي يتوجب على السلطات القطرية القيام بها.  ومن أبرز تلك التوصيات 1)  إلغاء نظام الكفالة 2) إصدار قوانين تتيح حرية التنظيم والمساومة الجماعية لجميه العاملين في قطر 3) إعادة النظر في الانظمة المتعلقة بجلب العمال وتطهير السوق من مكاتب توريد العمال المشبوهة 4) وضع حد أدنى للأجور ووقف التمييز العنصري الشائع في أجور العاملين  5) سن القوانين اللازمة لتنظيم جهاز فعال لتقي الشكاوى اعمالية ومتابعتها. وهذه توصيات, في حال تحققت, ستضمن لقطر صيتاً يفوق ما تتخيل حصولها عليه من تنظيم المونديال وسيغير نحو الأفضل أوضاع ما يقرب 30 مليون عامل مهاجر في بلدان الخليج.

تلقفت أجهزة الإعلام تقرير الكونفيدالية الدولية للنقابات وخاصة ما ورد فيه عن إصابات العمل وعن  أعداد الوفيات في مواقع العمل بسبب سوء ظروف العمل وحرارة الشمس وقلة أدوات السلامة. في هذا السياق أشار كاتبو التقرير إلى أن أعمال البناء الخاصة بمونديال في جنوب افريقيا في 2010 ا أودت بحياة عامليْن. بينما تسبب مونديال  البرازيل حتى الآن  في وفاة سبعة عمال في مواقع عملهم. أما في مونديال قطر فيتوقع التقرير أن تصل الوفيات إلى أربعة آلاف.

جاء الرد القطري الرسمي والإعلامي على تقرير الكونفيدالية في صورة نمطية معتادة  بإتجاه التشكيك في في نوايا معدي التقرير والجهة التي تقف خلفه أو مماحكة تفاصيل صغيرة وردت في شهادات شخصية أوردها التقرير.  فعلى سبيل كان العنوان الرئيس في أعلى الصفحة الأولى من جريدة الراية القطرية (23مارس/آذار2014)  هو “العمالة الهندية في قطر لا تواجه أية مشاكل”. وهي جملة جاءت في تصريح رئيسالجاليةالهندية فيقطرالسيدعبد الكريمعبدالله أكد فيه  “أنه لمتسجلأيحالةوفاةلعمالفيأماكن العمل” وإن  “أفرادالجالية يتمتعونبكافةحقوقهمويعيشونفي سلامووئاممعبقيةأفرادالجاليات الأخرى،كماتتممعاملتهمبكلاحترام، وأنأوضاعالجاليةجيدةولاتعانيأية مشاكلجوهرية”.

هل ستخسر قطر مونديالها؟

ليس محتملاً أن تصل الأمور إلى سحب ملف مونديال 2022 من قطر. إلا إن ذلك يبقى ممكناً  مع تصاعد الإهتمام الإعلامي وضغوط الرأي العام  وخاصة في أوروبا التي تشكل ثقلاً أساسيا في المكتب التنفيذي للفيفا.  ما قد يغير الأمور بشكل غير متوقع هو إنعكاسات الخلاف المحتدم بين قطر وكل من مصر والأمارات والسعودية والبحرين. فهذه الدول الأربع قد تنجح في تجنيد الاتحادين العربي والآسيوي لكرة القدم في جهودها لعزل قطر بحرمانها من مونديالها. وخاصة أن كل من الإتحاديْن تحت رئاسة أحد أفراد العائلة الحاكمة في السعودية والبحرين

مقال منشور في السفير العربي بتاريخ 9أبريل 2014

http://arabi.assafir.com/article.asp?aid=1749&refsite=arabi&reftype=home&refzone=slider

.