الأعراس الجماعية والتشطير العمودي

 في بداية هذه الملاحظات أود أن أتقدم بالتهاني المتأخرة لأربعمائة وأربعين شاباً وشابة في المنطقة الغربية احتفلوا بزفافهم الجماعي في التاسع من هذا الشهر حين احتضنت قرية كرزكان آلاف المهنئين.
ومعلومٌ أن ذلك الزفاف الجماعي كان نتاج أشهر من التنسيق بين العديد من الجهات الأهلية والرسمية. فلقد حصل منظمو الاحتفال الكبير على مكرمة ملكية بمبلغ ربع مليون دينار لتغطية تكاليف الحفل بالإضافة إلى إعطاء كل عريس منحة مالية. وتعّهدت جمعية ”الوفاق” برعاية الحفل والترتيبات الممهدة له بتنسيق مع المجلس العلمائي وتنفيذاً لشعاره هذا العام: ”التزويج من الشعار إلى التفعيل”. وأشرف على التنظيم النائب حسن سلطان وعلي منصور عضو المجلس البلدي بالتعاون مع الصناديق الخيرية في المنطقة عبر طاقم من المتطوعين بلغ عدده 250 شخصاً.
ولا يفوتني أن أتقدم بالتهاني المُسبقة لأهلنا في سترة التي تستعد هي بدورها لإقامة حفل زفاف جماعي آخر في نهاية هذا الشهر لإعلان دخول 600 شاب وشابة الحياة الزوجية. وحسب أخبار متواترة فإن الاستعدادات مستمرة بين مختلف الجهات الرسمية والأهلية بما فيها نائب ”الوفاق” عن المنطقة وممثليها في مجلسها البلدي ومشايخ المجلس العلمائي لإنجاز هذا الحدث الكبير. ولا يُستبعد أن يتولى الديوان الملكي تمويل هذا الحفل أيضاً وما قد يليه من احتفالات مشابهة.
وهكذا نرى أنه وفي أقل من ثلاثة أسابيع سيكون أكثر من ألف شاب وشابة قد دخلوا مرحلة جديدة من حياتهم بفضل التنسيق بين الديوان الملكي ونواب كتلة الوفاق والمجلس العلمائي إضافة إلى الصناديق الخيرية والمتطوعين من شباب المنطقتيْن. فنتيجة لذلك التنسيق تحققت أحلام شبان وشابات أغلبهم من عائلات فقيرة تحتاج للدعم والمعونة. ولا شك أن عدداً كبيراً من هذه الزيجات كانت ستتأخر فترة أخرى، بل وقد لا تتحقق بالنسبة للبعض لولا أن سخّر الله أهل الخير. فعسى أن تُسْتَكمل هذه الجهود بتوفير سكنٍ لائق لهذه العائلات الجديدة وعملٍ للعاطلين والعاطلات بين الأزواج والزوجات الجدد.
بعد الإشادة بفضلِ أهل الفضلِ وبعد تقديم التهاني للعرسان والعرائس، أستميح الجميع العذر للتذكير بسؤال قديم طرحه أخونا إبراهيم بوصندل في سياق تعليقه على ردود الفعل المتباينة حول مكرمتيْن ملكيتيْن سابقتيْن. تعلقت إحداهما بفواتير استهلاك الكهرباء والتي قيل إن بعض الأغنياء والمتنفذين قد استفادوا أيضاً منها. أما الثانية فتعلقت بقروض منتسبي الدفاع والحرس الوطني والداخلية لأن ذلك الكرم المحمود حسب قوله لم يشمل الجميع. وسؤال بوصندل كان ببساطة: ”هل نحتاج إلى تقنين المكرمات[ صحيفة الوطن البحرينية، 9 فبراير/شباط .2006]”. ا

وللإجابة على هذا السؤال يشير الكاتب إلى اختلاف نظرة الناس إلى المكرمات، فمنهم الفرحان الراضي بها ومنهم الحزين والمتحسر عليها. من الجهة الأخرى، يقول الكاتب، هناك من يرفض المكرمات من حيث المبدأ لأنها ”تعني بشكل غير مباشر أن الحقوق غير معطاة لأهلها، وأن المكرمات إنما جاءت لتسد ثغرات النظام السياسي والإداري،نها في الغالب لا تحقق العدل أو العدالة والمساواة”.
أتعاطفُ مع السؤال الهام الذي طرحه الكاتب/النائب بوصندل وأتعجب من عدم قيامه بطرح السؤال في مجلس النواب خاصة بالنظر لما لكتلته من تأثير ملحوظ فيه. على أية حال فإنني أعيد طرح ذلك السؤال القديم لارتباطه بحفلتيْ الزفاف الجماعي في المنطقتين الغربية والوسطى. فلا شك أن حفلات مشابهة ستلحقهما في مناطق أخرى من البلاد حتى يتحقق التزاحم المطلوب بين الناس وحتى تتحقق عدالة التوزيع بين المناطق والطوائف والتعاضديات

إلى حين نتمكن جميعاً من إنجاز الدولة الدستورية القادرة على توفير الآليات التشريعية والسياسية التي تضمن تساوي مواطنيها، وإلى حين تصبح مؤسسات الدولة و أجهزتها قادرة على التكيف مع الناس ستبقى المكرمات أداة هامة من أدوات الحكم. بل ثمة ما يشير إلى تصاعد أهمية دورها. فمن جهة هناك اقتناع بعجز المجلس النيابي وإخفاقه في القيام بدوريْه التشريعي والرقابي. فرغم الفرقعة الإعلامية التي بدأت بها الجلسة الأولى في ديسمبر/ كانون الأول 2006 ورغم الفرقعة الإعلامية التي انتهت بها آخر جلسة في الأسبوع الماضي لم يتحقق أيٌ من الوعود ولا شيء من الوعيد. ومن جهة ثانية نلاحظ تسارعاً ملحوظاً في تفشي الفقر النسبي في البلاد، بل وهناك دلائل على تبئيس متزايد بين الشرائح الدنيا في الطبقة الوسطى. وفي كل الأحوال تزداد حاجة الناس إلى ما يعينهم على مواجهة ارتفاع كُلَف المعيشة اعتماداً على مكرمات مباشرة أو غير مباشرة عبر ما يتحصّله لهم الوجهاء التقليديين والجدد. ومن جهة ثالثة تتزايد الإمكانات المالية بسبب ارتفاع الموارد الريعية من عوائد النفط وغيرها. وبهذا تتزايد قدرة النظام على استخدام تلك الإمكانيات كأداة لتوزيع الثروة ولإدارة العلاقة التزاحمية بين التعاضديات بما يؤدي إلى إعادة رسم الخريطة السياسية/ الاجتماعية وتحديد مساحتها واللاعبين المؤثرين فيها.
شيئاً فشيئاً يزداد اقتناعي بصحة انطباع تولّد بعد مناقشات جرت في لندن في الصيف الماضي مع إخوة من كتلة الوفاق النيابية. فلقد كان واضحاً قبولهم بتبعات عجزهم عن تحسين الشروط التي يفرضها ميزان القوى السياسي في البلاد ناهيك عن تغييرها. فما لهم بدرْب المرحوم الشيخ عبدالأمير الجمري طالما بإمكانهم استخدام درْب المرحوم الشيخ سليمان المدني. أوَلم يحذرنا الأجداد من أهوال البحر طالما أن رزق الله متوافر على السِيف؟. ولقد رأينا كيف أدى قبولهم بعجزهم إلى خيرٍ كثير استفاد منه أكثر من ألف من العرسان والعرائس الجدد في المنطقتين الغربية والوسطى. لكن ذلك الخير على كثرته ليس هو ما توقعه الناس حين صدّقوا ما قيل لهم عما سيتحقق خلال المشاركة في البرلمان. أو حين تخيلوا ما ستحققه لهم صفقة المقايضة. رَحمَ الله الشيخ سليمان المدني فلقد كان أبعد نظراً من كثيرين ممن يسيرون الآن على دربه. فحتى الذين اختلفوا مع نهجه السياسي، وأنا منهم، يعترفون لأبي طاهر بأنه كان صريحاً مع الناس وصادقاً مع نفسه. وفوق ذلك لم يكن يخاف من قناعاته أو يخفيها تحت ضوضاء الشعارات أو بذرْف الدموع علناً كلما تعرّض للانتقاد.

………

المقال منشور في  الوقت
http://www.alwaqt.com/blog_art.php?baid=6977