متى حُلَّ مجلس 1973؟

مقال منشور في الوقت بتاريخ 11 أكتوبر 2007

لوْ كانت هذه مسابقة رمضانية فلن يحصل على جائزة مَن يقول 26 أغسطس/ آب  1975.   فسؤالي لا يتعلق بتاريخ إعلان قرار حلّ المجلس، بل بتاريخ اتخاذ ذلك القرار. صحيحٌ أنه في 26 أغسطس/ آب 1975 استخدم الأمير الراحل المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان سلطاته الدستورية فأصدر المرسوم رقم 14 للعام 1975 معلناً حل المجلس الوطني المنتخب قبل أن يكمل العام الثاني من حياته.

ولقد تبع ذلك المرسوم أوامر أميرية وإجراءات[1] أوقفت العمل بعدد من مواد الدستور بما فيها تلك التي تنص على انتخاب مجلس بديل خلال مدة شهرين من استخدام الأمير حقه الدستوري. لدي اقتناع يزداد رسوخاً بأن قرار حل المجلس صدر لحظة صدور نتائج الانتخابات البرلمانية في السابع من ديسمبر/ كانون الأول .1973

لقد صدمت تلك النتائج كثيرين ممن كانوا يعتمدون على معلومات الأجهزة الأمنية، خصوصاً على تحليلات إيان هندرسون وتنبؤاته. ولعل من لم يعاصر تلك الفترة يجد بعض ملامح تلك الصدمة فيما ينقله علي ربيعة[2] عن أحد الوزراء الاستراتيجيين آنذاك الذي قال «لقد تعرضت البحرين خلال هذا العام (أي 1973) لثلاث مصائب. انتشار الكوليرا وحريق معمل التكرير وفوز اليساريين في المجلس الوطني».

لا تنحصر أسباب الصدمة الحكومية في نجاح «كتلة الشعب» التي  حصلت على أكثر من ربع مقاعد المنتخبين في المجلس. وهنا لا أقلل من الأهمية التاريخية لما تمثله «كتلة الشعب» التي استطاعت أن تقدم بديلاً تقدمياً وطنياً على أساس مشروع سياسي متكامل ومُعلن. وبطبيعة الحال، لا أقلل من أهمية صمود أعضائها أمام عامل الترغيب والترهيب، والذي وصل إلى حد تسفير أحد أعمدتها الرئيسة، علي دويغر، قبل الانتخابات بشهرين.

إلا أنني أرغب في التأكيد أن وصول اليساريين إلى المجلس الوطني كان واحداً من جملة أسباب أدت إلى الصدمة الحكومية. فلقد نجح وطنيون آخرون شكلوا عصب ما عُرف لاحقاً بـ «كتلة الوسط»، كما فاز متدينون تمكن بعضهم لاحقاً من الفكاك من تبعات توافق قيادتهم التقليدية مع السلطة. معلومٌ أن تركيبة المجلس الوطني في العام 1973 كانت على عكس ما تشتهي الحكومة. ولقد برزت مؤشرات ذلك وبوضوح تام منذ الأسبوع الأول لعمل المجلس.

فلقد بينت انتخابات هيئة رئاسة المجلس وجود اصطفاف برلماني لا يلائم رغبات السلطة البتة. لقد فاز حسن الجشي برئاسة المجلس بتوافق الأعضاء الثلاثين المنتخبين مع الوزراء الأربعة عشر، وهم أعضاء في المجلس بحكم مناصبهم. بعد ذلك انقسم المجلس بشأن منصبيْ نائب الرئيس وأمين السر. جاءت المفاجأة الأولى حين تعادلت الأصوات التي حصل عليها كلٌ من جاسم مراد، مرشح المعارضة، والمرحوم خليفة البنعلي، مرشح الحكومة، لمنصب نائب الرئيس.

ولقد كان من السهل معرفة أن ثمانية من الأعضاء المنتخبين، بمن فيهم الكتلة الدينية، قد انضموا إلى الوزراء الأربعة عشر لدعم البنعلي. وبإعادة التصويت وبتغيير حسن الجشي موقفه فاز مرشح الحكومة. وجاءت المفاجأة الثانية في حصول مرشح كتلة الشعب لأمانة سر المجلس، على أصوات 18 من الأعضاء المنتخبين وحصول مرشح الكتلة الدينية على 26 صوتاً بما فيها أصوات 14 وزيراً. وبهذا آلت أمانة سر المجلس للمرحوم عبدالله المدني. لم يتقرر في تلك الجلسة مصير المجلس. فلقد كان مصيره محسوماً منذ إعلان نتائج الانتخابات في 7 ديسمبر/ كانون الأول .1973

إلا أن تلك الجلسة عززت مواقف المتشددين في السلطة وخارجها الداعية إلى إنهاء التجربة البرلمانية قبل فوات الأوان. ومن المفيد الإشارة هنا إلى ما تذكره إحدى المذكرات السرية في أرشيف وثائق وزارة الخارجية البريطانية من أن مجريات تلك الجلسة كانت «غير مشجعة» رغم فوز المرشح الحكومي في الحالتيْن. فلقد كان السفير مستاءً من جهتيْن. فلقد حصل جاسم مراد على أصوات 22 من أصل 30 عضواً منتخباً. ومن جهة ثانية، فلقد «فضّل النوابُ شيوعياً على رجل دين من أنصار الحكومة(3)ا 

حين أقول إن مصير المجلس محسوم قبل انعقاد أولى جلسه لا أ

دّعي علم الغيب ولا ما في القلوب. كما لا أنفي أن مجريات الأمور قد ساهمت في توفير الحجج اللازمة لوضع القرار موقع التنفيذ. وبهذا المعنى لن أحاجج من يلوم أعضاء المجلس الوطني وقتها على ما يعتبره بعض الناس الآن تصلباً. أو يلومهم على إصرارهم على مواجهة الحكومة بشأن مسائل مختلفة واستعجالهم في طرح مشروعاتهم واقتراحاتهم.

ومن أبرز الأمثلة التي تُضرب في جلسات المحاججة يتكرر مثالان؛ أولهما يتعلق بـ «جدوى» إثارة موضوع إلغاء الاتفاقية الخاصة بالقاعدة العسكرية الأميركية في الجفير. والثاني هو «الاستعجال» في طرح مشروع بقانون بشأن تحويل الأراضي الأميرية إلى ملكية الدولة وتحت إشراف المجلس التشريعي. وبطبيعة الحال، هناك من يثير أمثلة أخرى للتدليل على دور المجلس الوطني في «دفع» الحكومة دفعاً إلى حلِّه وإلى إنهاء التجربة البرلمانية وحرمان الناس من حقوقهم الدستورية لأكثر من ربع قرن. ا

في بداية أبريل/ نيسان 1974 كتب السفير البريطاني روبرت تيش إلى رؤسائه في لندن بشأن علاقة الحكومة بالمجلس الوطني، مؤكداً «أن الأمور لا تبدو سيئة في الوقت الحاضر. وبالتأكيد لا أرى احتمالاً لمواجهة عنيفة. لكنني أعتقد أن وزراء عدة قد بدؤوا بالتفكير في حل المجلس أو إصلاحه أو إلغائه. والسبب في ذلك ليس أن المجلس يشكل خطراً، بل لأنه مصدر إزعاج وخيبة أمل[4]». اد

تاريخ هذه الملاحظات سابقٌ لأي نقاش برلماني عن إلغاء اتفاقية القاعدة الأميركية في الجفير، وسابقٌ أيضاً لاحتجاج النواب على قيام الحكومة، سراً، بإعادة تجديد تلك الاتفاقية رغم أنها أُلغيت فعلاً في أعقاب حرب أكتوبر/ تشرين الأول .1973 وبطبيعة الحال، فإن حديث الوزراء عن حل المجلس أو إصلاحه أو إلغائه سابقٌ أيضاً لطرح مشروع بقانون عن تحويل الأراضي الأميرية إلى ملكية الدولة وتحت إشراف المجلس التشريعي. نعم. لوْ لمْ يُطرح هذا المشروع أو لوْ لمْ تُثر تلك المسألة لربما طال عمر المجلس شهراً إضافياً. وربما أكثر. ولكن هذا لن يغير في القرار الأصلي. فتأجيل تنفيذ الحكمِ لا يعني إلغاءه. والحكمُ قد صدر بحق مجلس 1973 يوم تبين أنه لن يكون مجلساً لتبادل الرأي بشأن أحسن السبل لشكر الحكومة على ما تقوم به من خطوات رشيدة

———————

الهوامش:

[1] شملت تلك الإجراءات اعتقال ثلاثة نواب من أعضاء كتلة الشعب هم علي ربيعة ومحمد جابر الصباح ومحسن مرهون لمدة أسبوعين وثلاث سنوات وخمس سنوات على الترتيب.

[2] علي قاسم ربيعة «التجربة الدستورية في البحرين – التجربة الموءودة»، مسودة تحت الطبع.

[3] مذكرة سرية من السفير روبرت تيتش في البحرين إلى بي.آر.اتش. رايت في مكتب الشرق الأوسط في وزارة الخارجية البريطانية بتاريخ 17 ديسمبر/ كانون الأول .1973

[4] مذكرة سرية من السفير روبرت تيتش في البحرين إلى بي.آر.اتش. رايت في مكتب الشرق الأوسط في وزارة الخارجية البريطانية بتاريخ 9 أبريل/ نيسان .1974