رسالة إلى مستشار الملك 8 يوليو 2001

عزيزي الدكتور حسن فخرو

أشـــكرك على اســتقبالك لي و على كلمـاتك الـطيبة .

لقد حدث لي ما يحدث عادة عندما يخرج المرء من اجتماع قصير ، إذا يكتشـف المرء انه نسى أن يتناول موضوعاً أو أكثر من المواضيع ” الهامة ” . و لقد كنت أنوي الكتابة إليك منذ فترة لإثارة موضوعين من هذه المواضيع على أمل أن تجد ما أثيره جديراً بالاهتمام.

بعض ما يثير قلقي يتعلق بإنعدام ما أسـميه ب “الحيّز الوطني المشــترك” ( و هو موضوع أوجزت عرض ملاحظاتي عنه في محاضرتي في 15 مايو الماضي في نادى الخريجين) . إلا إنني مقتنعٌ ، و بأمانة ، أن لدى سـمو الأمير فرصة تاريخية لمعالجة و تصحيح آثار غياب، أو عدم ملائمة، الأوضاع الاقتصادية و السـياسـية و الاجتماعية اللازمة لذلك. و هو ما منع بروز شـعور حقيقي بوجود حيز وطني مشـترك في البحرين.     و من أبرز معيقات نشـوء هذا الحيّـز الوطني هو التصورالسـائد بأن الدولة نفسـها هي كيانٌ مصطنع.   و رغم إن هذا التصور هو ظاهرة ملحوظة في بلدان عربية أخرى,  إلا إنه يبدو أكثرحدة و حرجاً في البحرين. إلا إنني أرى إن الأمير يمتلك عدداً كبيراً من الأدوات لمعالجة هذا الأمر على المدى القصير و المتوسـط .

بعض هذه الأدوات رمزية , أما بعضها الآخر فله مضامين حقيقية فعلاً.  و لقد اقترحتُ في محاضرتي في نادى الخريجين الإهتمام بالاحتفال بالذكرى الثلاثين لاسـتقلال البلاد في أغسـطس القادم بإعتبارها لفتة رمزية .   و دعني أشــدد على هذا الاقتراح مسـتخدما إحدى الكليشـيهات : للرمزيات قوة كبيرة.   أنني آسف لأنني لم أثر هذا الموضوع معك أيضاً عندما التقينا

أما الموضوع الثاني فيتعلق باقتناعي بأن جزءً من العراقيل التي تواجه مشـروع الإصلاح السـياسـى ( ربما منذ ولادته) يجد جذوره في الاعتقاد السـائد بأنه، أي المشـروع الإصلاحي، هو مشـروعٌ أميري بحت.   و إنني مقتنعٌ,  و أرجو أن أكون مخطئاً, بأن أحد مصادر ضعف المسـيرة الإصلاحية في البحرين   يكمن في أنها ليسـت نتيجة تعاهدٍ وطني.   فلقد بدأت المســيرة كمبادرة أميرية وعن طريق سـلسـلة من المكرمات التي بقيت امتيازاً مطلقاً في يد الأمير.  و هذا يعني, بإختصار, إن مسـتقبل العملية الإصلاحية برمتها سـيبقى خاضعاً للمراسـيم الأميرية. و لا شـك أن هذا الوضع يضع عبئاً تاريخياً هائلاً على كاهل الأمير.   فهو الذي يمتلك , منفرداً, سـلطة رســم مسـتقبل العملية الإصلاحية و حدودها و عمقها و سـرعتها. و هو وحده الذي يمتلك, منفرداً, سـلطة تحديد أيٍ من القوى الاجتماعية و أي شـبكة من شـبكات المعارضة سـيتم مشـاركتها أو حرمانها من المشـاركة بفاعلية في هذه العملية .

بطبيعة الحال قد لا يرى الجميع هذا الأمر مشـكلة. إلا انه مشـكلة بالنسبة لي و ذلك لأن الوضع الراهن لن يُسّـهل مأسـسـة العملية الإصلاحية نفسـها. , و ذلك لأن مأسـسـة العملية الإصلاحية سـتؤدي , حسبما آمل, إلى تقوية حجج الأمير و هو يسـعى إلى تسـويق مشـروعه لدى المتشددين االمترددين ضمن العائلة الحاكمة و خارجها.

و حسبما أرى فإن الميثاق هو عنصر هام في عملية المأْسـسـة.ولكن المطلوب هو إجراءات كثيرة من هنا و حتى عام 2004. هل من الممكن التفكير في قيام سمو الأمير بالدعوة إلى عقد مؤتمر سياسي وطني لمناقشـة العملية الإصلاحية، و إنجازاتها، و العقبات التي تواجهها مسيرتها؟ ما أفكر فيه هو مؤتمر على غرار”كامب ديفيد” حيث يقوم المشاركون (لنقل من 20– 30 شخصا أو أقل) الذين “يمثلون” جميع التيارات السياسية (الدينية و اليسارية والقومية إلىآخره) بمناقشة القضايا الخلافيةالمتعلقة بكل من “الإنجازات”و “العقبات”. ولا أظنها مشكلة أن نجد موقعاً منعزلاً ليقوم مقام كامب ديفيد في البحرين . هل أقول شيئاً معقولا ؟

و هدف مؤتمر كهذا هو الوصول إلى تعاهدات ، إلى وضع أساس لتوافق ، و إلى تحديدٍ دقيقٍ للأطر “الواقعية” للعملية الإصلاحية للعقد القادم، على سبيل المثال. و كما هو معروف تميل التعاهدات التوافقية إلى أن تكون أكثر واقعية، وإلى أن تأخذ بعين الاعتبار مخاوف الأطراف المختلفة وأن تراعى المصالح الإستراتيجية لأغلب المشاركين فيها. فعن طريق التعاهد التوافقي على الإصلاح يمكن إحتواء ما حدث في جدحفص و ما يحدث في أماكن أخرى, إن لم تتم إزالة أسباب حدوثه.

في ظل تعاهدٍ توافقي لن يكون هناك أناس مثلى يطالبون (في هذه المرحلة) بـ “إزالة امتيازات العائلة الحاكمة” ، و لا أصولياً يطالب في (هذه المرحلة) بـ “أسلمةالدولة” أو غير هذا و ذاك. علاوة على ذلك فإن التعاهد التوافقي سـيوفر لنا حيزاً و طنياً مشـتركاً إضافيا.

لقد قرأت للتو الترجمة العربية لمقالة انجاسى داللى في اللوموند حول المغرب بعنوان “ملكٌ متحرك و مجتمعٌ ساكن” و المقال يعيد التأكيد على المحصول المتشائم الذي يجنيه المرء من قراءة مقالٍ جيد آخر عن المغرب كتبه عبد السـلام المغراوى بعنوان ” السـلطة السياسـية في أزمة ” و المنشور في ميدل ايسـت ريبورت العدد 218 .

أنني آمل أن تتظافر جهود جميع الناس الطيبين ، من مختلف الاتجاهات ، لانقاد البحرين من نفس المصير. و إنني آمل أيضاً , أن يكون لدينا , حين نلتقي في المرة القادمة, وقتاً أكثر لمناقشـة القضايا التي تهمنا .

المخـلص
عبدالهادى خلف
لوند ، 8 يوليو2001

Original in English