إنعقدت في 10 شباط/ فبراير أولى جلسات الحوار الوطني التي تولى التحضير لها وزير العدل البحريني. وتمثلت قوى المعارضة والموالاة بثمانية مندوبين لكل منهما، بالإضافة إلى ثمانية من أعضاء مجلس النواب الحالي. لكن دور السلطة نفسها في جلسات الحوار لم يتضح حتى الآن. فلقد تفاوتت التصريحات الرسمية بين أن الحكومة ستكون طرفاً فاعلاً فيه وبين انها ستحضر جلسات الحوار لمتابعة ما يدور بين المشاركين، وانتظار ما يتم التوافق عليه، لتحيله بدورها على مجلسي النواب والشورى لوضعه في صورة توصيات تُرفع إلى الملك، ليقرر إصدار الصالح منها بصورة قرارات ومراسيم ملكية. من جهتها أعلنت المعارضة عن رغبتها في أن تكون جلسات الحوار جلسات «مفاوضات»، بهدف الوصول إلى قرارات وصيغ دستورية لتحديد اسس تشكيل الحكومة والسلطتين التشريعية والقضائية. أما قوى الموالاة فطالبت بأن توقف المعارضة احتجاجاتها في الشارع، وأن تتخلى عن مطالبها «التأزيمية»، كي يركز المشاركون في الحوار الوطني على المطالب المعيشية للمواطنين، ومحاربة الفساد، وإعادة بناء اللحمة الوطنية، لمواجهة الضغوط الدولية التي تتعرض لها الحكومة البحرينية.
ما الجديد في هذه الجولة من الحوار؟
قبلت أغلب القوى السياسية البحرينية الدعوة الرسمية، رغم المسافة الكبيرة بين تصوراتها حول الغرض من الحوار، وجدول أعماله، وأساليب تنفيذ نتائجه. إلا إن قبول جمعيات المعارضة والموالاة بدخول جولة الحوار الجديدة لم يعد غير مشروط كما كان في السابق. وهذا لا يحول دون أن يطرأ ما يجعلها تجد نفسها مضطرة إلى الانسحاب من الجلسات تحت ضغط شارعها الذي تكررت لديه خيبات الأمل من قيام السلطة بتنفيذ تعهداتها. كما أن السلطة، ممثلة بوزير العدل، تجد نفسها في موقع أكثر حرجاً بسبب اصطدامها بالضغوط الخارجية عليها لاتخاذ مواقف أكثر مرونة تجاه مطالب المعارضة، في الوقت الذي تخشى فيه أن يؤدي أي تنازل مهما كان شكلياً إلى مفاقمة الخلاف بين أجنحة العائلة الحاكمة.
ورغم انعقاد أولى جلسات الحوار في موعدها، فلا يوجد ما يشير إلى إمكانية أن تتوصل هذه الدفعة من الجلسات إلى نتائج أفضل مما وصلت إليه سلسلة من الحوارات السابقة المعلنة وغير المعلنة والتي جرت منذ 2002، أي منذ قيام الملك باتخاذ عدد من القرارات الانفرادية التي اعتبرتها المعارضة نقضاً لـ«ميثاق العمل الوطني» الذي تم التوافق عليه كمخرج من أزمة سياسية وأمنية عانت البلاد منها طوال التسعينيات. سعى الملك منذ إقرار ميثاق العمل الوطني قبل عشر سنوات إلى التخلي عن الالتزامات التي يفرضها عليه ذلك الميثاق، والذي يهدف الى تأسيس شرعية الحكم على توافق شعبي حول بناء دولة دستورية توفر لجميع مواطنيها ،على اختلاف انتماءاتهم، أسباب الولاء لها. ولإنجاح مساعيه، اعتمد الملك على سلسلة من الإجراءات مكّنته من تفتيت قوى المعارضة التي قادت انتفاضة التسعينيات. فقام بتمويل حملات انتخابية لمرشحين ضد آخرين، وعين معارضين سابقين في مجلس الشورى أو في وظائف استشارية. وشملت تلك الإجراءات تركيزاً على تلميع صورة النظام في الخارج والداخل. ومن ضمن تلك الإجراءات، التنظيم الدوري لجلسات حوار تعددت أشكالها، ثنائية بين السلطة و«جمعية الوفاق»، كبرى تنظيمات المعارضة، أو متعددة الأطراف. آخر تلك الحوارات انعقد في تموز /يوليو 2011 ودعي إليه أكثر من 300 مشارك، بمن فيهم ممثلون عن شركات حكومية . يمكن البحث عن أسباب فشل كل واحدة من جلسات الحوار منذ 2002 وحتى الآن. إلا إن القاسم المشترك بينها جميعاً هو غياب طرفين أساسيين لا تمكن معالجة جذور الأزمة السياسية في البحرين بدونهما، أي العائلة الحاكمة وتنظيمات المعارضة غير الرسمية.