مقابلة منشورة في جريدة السفير بتاريخ 15/01/2013

عبد الهادي خلف لـ«السفير»: الطرفان أمام طريق مسدود ولا بديل من الحوار

 
نُفي في العام 1976 من البحرين، حملها بين طيات قلبه ورحل. عاش في أوروبا منذ ذلك الحين، محاولا العودة مرات عدة، ولم ينجح إلا في العام 2001، غير أنه آثر أن يكون معارضا من الخارج. هذه المرة سحبت السلطات البحرينية، أو كما يحلو له تسميتها «السلطات الخليفية»، جنسيته البحرينية في تشرين الثاني الماضي بحجة «الإضرار بأمن الدولة».
المعارض البحريني في الخارج وأستاذ علم الاجتماع في جامعة «لوند» السويدية عبد الهادي خلف يرى بأن الحوار بين السلطة والمعارضة حادث لا محالة، حيث لا يمتلك الطرفان خيارات أخرى سوى أن يضعا على الطاولة ما يجمعهما ـ وهو ليس بكثير ـ للنقاش حوله وتحقيق ولو جزء من مطالب الناس.
خلف خصّ «السفير» بلقاء حول رؤيته للأزمة البحرينية التي تدخل عامها الثاني قريباً. ووصف الوضع الحالي في البلاد بأنه «مؤسف جداً، لأن المعارضة والحكومة وصلتا إلى طريق مسدود، حيث أن كلا منهما الآن يتحدث عن أشياء لا يريدها الطرف الآخر. فالسلطة تريد بقاء الوضع كما هو، وخطاب الملك في عيد الجلوس في السادس عشر من كانون الأول الماضي أكد على التذكير باستمرار حكم أحمد الفاتح ـ وهو أول أفراد آل خليفة دخل البحرين قبل 230 عاما ـ خير دليل، فالعائلة الخليفية لا تبحث عن شرعية أخرى سوى سلطة الفتح، وتعتبر أي شرعية إضافية هي إضافة غير ضرورية».
أما بالنسبة لـ«المعارضة الرسمية ـ المتمثلة في الجمعيات السياسية المرخص لها العمل تحت قانون الجمعيات البحريني ـ فحصرت نفسها بالمطالبة بملكية دستورية وبما طرحه ميثاق العمل الوطني في العام 2001، وهو ما يجعلها غير قادرة على التحرك أكثر من ذلك. وهكذا، بقيت حبيسة سقف مطالبها بالشروط التي وضعها ميثاق العمل الوطني، وهذا يعني أنها لن تأتي بمبادرات جديدة».
وبرأي خلف، فإن كلا من الطرفين يتحدثان بلغة لا يسمعها الآخر وهذا يجعل المجال واسعاً جدا للمعارضات الأخرى التي تنمو ونمت بعد 14 شباط العام 2011 وخلال الفترة التي تم التمهيد فيها لـ14 شباط، مثل «حركة الوفاء» و«حق» و«ائتلاف شباب الرابع عشر من فبراير»، وهي مجموعات صغيرة فتح لها مجال واسع لطرح مطالب تستجيب لرؤية جزء من الشارع مما قد تكون مخارج ممكنة منها تحدي السلطة ورفع سقف المطالب، ومن جهة ثانية المعارضات التي تنمو على ضفة الموالاة. وهنا نرى مجموعات كبيرة ولكنها مشتتة وتطرح المطالب ذاتها التي يطرحها المكون المعارض، حسب تعبيره.
ويمضي خلف شارحاً «هناك مشايخ دين معروفون وعوائل وأشخاص ينتمون إلى الموالاة وترتبط موالاتهم بمصلحة مباشرة، ولكن تلك الموالاة تختلف عن فقراء السنة الذين توفر لهم السلطة وظائف وسكنا وغيره. ولاء هؤلاء قائم على ما يعتقدون أنه انتماء للفئة ذاتها والطائفة ذاتها، إلا أن التجنيس الذي مارسته السلطة الخليفية عمّق شرخا بينها وفقراء السنة، الذين كانوا يرون أن عملهم في وزارة الدفاع ووزارة الداخلية يجعلهم حماة الوطن وشركاء فيه وفي السلطة، والتجنيس منح السلطة بديلا لهؤلاء. وكذلك الصيادون والبحارة، الذين يشكون من الاستحواذ الثلاثي الخليفي (الملك، ولي العهد ورئيس الوزراء) على المناطق البحرية واستملاكها، ولم تتح لهم الفرصة بأن يحتجوا أو أن يعبروا عن غضبهم».
ويعود خلف للنقطة الرئيسية «وهو ما جعل هذه التجمعات الصغيرة المتشتتة داخل الموالاة تكبر، وتطرح التساؤلات ذاتها التي يطرحها الفقراء في المناطق المعارضة، وهي لماذا تستحوذون على الثروة؟ ولماذا تستأثرون بالمناصب؟ ولماذا تسرقون؟ لذا فإن السلطة والمعارضة الرسمية اليوم لا يستطيعان أن يتجاهلا هذه المعارضات الأخرى، والخشية اليوم هي أن يتحرك هؤلاء بعشوائية ما سيجر البلاد إلى مواجهات وإلى انقسام حقيقي».
وعن الانقسام الحالي في الشارع البحريني بين ما يسمى الموالاة والمعارضة، أو ما يحلو للبعض تسميته الشيعة والسنة في اختزال للطائفة، قال خلف «اليوم نعيش شقاقا حقيقيا، فعندما يسخر رجل دين وقائد سياسي من صفعة رجل أمن لمواطن، أو يشمت في مقتل طفل في قرية، والأسوأ هو عندما يقوم صقور الموالاة والمعارضة بتعبئة الشباب والناشطين غير المنظمين والعمل على تنظيمهم في جماعات تتضارب مع بعضها وتقوم بأعمال حرق واختطافات وحتى هجمات على القرى، فإن ذلك سيقودنا إلى مواجهات وإن كانت لا تصل لمرتبة الحرب الأهلية».
«تجمع الوحدة الوطنية»
ويرى أستاذ علم الاجتماع أن تجمع الموالاة الذي بدأ بمسمى «تجمع الفاتح»، في شباط 2011، ومن ثم تم إعلانه في جمعية سياسية مرخصة تحت مسمى «تجمع الوحدة الوطنية»، الذي يطرح نفسه المتحدث الأول باسم الطائفة السنية، بأنه إنجاز وطني في بدايته كان من الممكن أن يكون خطرا على السلطة، «الايجابي فيه أنه حرك مجموعات كانت لا تتحرك في السابق، مجموعات كانت ترى الظلم وتسكت عنه لأن مشايخ الدين تقول لها إن هذا من اختصاص ولاة الأمر وعليكم اتباعهم حتى إذا جلدوا ظهوركم». قام هذا التنظيم ضد التجمع في «دوار اللؤلؤة»، وهي المرة الأولى التي يأتي جمهور كبير ويفزع لنصرة السلطة الخليفية ولكنه ليس دعما غير مشروط، فرفعوا شعار «لنا مطالب»، ورغم أن المطالب كانت عادية تتلخص في العمل والسكن والحياة الكريمة، ولكن أهميتها تأتي من أن الولاء أصبح ولاء مشروطا، ومن الناحية التاريخية، ومن خلال رؤيتي للوضع الاجتماعي في البحرين فهذا التجمع يعتبر تطورا عاما قد يقود إلى تغييرات ايجابية. إلا ان السلطة الخليفية انتبهت إلى ذلك تماما، ولذلك بدأت عملية تهميش «تجمع الوحدة»، وسعت إلى خلق بدائل له وتفتيته من خلال اختراقات واستقالة بعض الأسماء المهمة فيه، ونجحت في استبداله بـ«تجمع شباب الفاتح»، كما هُمش القائد الشيخ عبد اللطيف آل محمود.
ويعتقد الدكتور خلف بأن «تجمع الوحدة الوطنية» ظلمته السلطة وهمشته، ومع الوقت نسي قائده آل محمود عبارة «لنا مطالب» وركز على دوره كمواجه للمعارضة، وخلق من نفسه معارضة للمعارضة، و«لو بقي معارضا للمعارضة وأبقى على مطالبه لكان وضعه أفضل مما هو عليه الآن».
ويقدم خلف مثالاً عن آل محمود الذي «دافع عن صفعة رجل أمن لمواطن، بعد انتشار مقطع فيديو يوثقها على شبكة التواصل الاجتماعي، وفيما أدانها وزير الداخلية بحجة أنه يرفض مثل هذه التصرفات، وضع الشيخ آل محمود نفسه في موضع الدفاع عن الصحيح والخاطئ الصادر عن هذه السلطة، متخليا عن مبدأ إحقاق الحق والعدالة».
الحوار
تتبادل السلطة في البحرين والمعارضة اتهامات عدم الجدية في الدخول إلى حوار، وكلما أعلنت السلطة أنها على استعداد للدخول في حوار مع المعارضة، ترحب المعارضة بذلك، وتعود السلطة لتضع شروط وقف العنف وإدانته وغيرها من الحجج لعدم الدخول في حوار جاد وصريح.
أما رؤية خلف للحوار فتتلخص بقوله «أصبحت كلمة الحوار مبتذلة في اللغة السياسية في البحرين، فعلى مدار الثماني سنوات الماضية، وفي كل خلاف بين السلطة والمعارضة، ترسل السلطة موظفاً لديها ليدير الحوار مع المعارضة، وهو ما لا يجب أن تقبل به الأخيرة اليوم، لأن كل تلك التفاهمات لم تنقذ البحرين من الأزمة التي تعيشها الآن. يجب أن تحترم الجمعيات المعارضة نفسها وأن تدخل في حوار مع السلطة نفسها، ممثلة في ولي العهد، الملك أو رئيس الوزراء، فهؤلاء الذين في يدهم الحوار والحل والربط».
وعما إذا كان يرى الحوار خيارا في الوقت الحالي، أجاب خلف «السلطة والمعارضة اليوم مضطرتان للدخول في حوار، فعدا ذلك الطريق مسدود، وعلى الجميع أن يأتي إلى طاولة الحوار بالموضوعات المشتركة للحديث فيها، التي قد تكون العودة من جديد إلى ميثاق العمل الوطني والنقاط التي وضعها ولي العهد لإخراج الطرفين من المأزق الذي يمران فيها. فمن الصعوبة على السلطة أن تصل إلى اتفاق يمثل ميثاق العمل الوطني ومبادرة ولي العهد، ومن الصعوبة أن تستطيع المعارضة أن تصل إلى اتفاق وتنفذه، لأن القرار اليوم في الشارع غير مركزي، ولا يمكن الوصول إلى اتفاق من دون موافقة الأطراف الأخرى داخل العائلة الخليفية وأيضا الأطراف الأخرى داخل المعارضة، خاصة الشخصيات السياسية القابعة في السجن، كرئيس حركة حق حسن مشميع ورئيس حركة الوفاء عبد الوهاب حسين ورئيس جمعية أمل الشيخ محمد المحفوظ، فهؤلاء يستطيعون إفشال أي اتفاق، في حال تم الوصول له دون استشارتهم أو مشاركتهم فيه، أو رضاهم عنه، ومن الغرور أن يتوصل الملك أو الوفاق أو وعد إلى اتفاق دون مراعاة مطالب هؤلاء».
سحب الجنسية
في منتصف ليل السادس من تشرين الثاني الماضي، أعلنت وزارة الداخلية البحرينية سحب جنسية 31 بحرينيا، قالت إنهم يضرون بأمن البلاد، وقال وزير الخارجية البحريني في وقت لاحق إن هؤلاء لم يقدموا شيئا للبحرين، منهم عبد الهادي خلف الذي سرد تفاصيل تلقيه الخبر «تلقيت الخبر صباح اليوم التالي من إحدى قريباتي بشكل مفاجئ، فقد أخبرتني إياه عبر الهاتف، ولم أصدق مثل هذا القرار، فدولة لها سفراء وأجهزة إعلام تستطيع الاتصال بي بمختلف الوسائل لإبلاغي بنيتهم أو بقرارهم، ولم يفعلوا ذلك. قرأت الخبر على صفحة وكالة أنباء البحرين ثم في الصحف المحلية، لسوء الحظ أن هذا يحدث، كان من الممكن أن يقيموا قضية ضدي، فسآتي إلى البحرين للدفاع عن نفسي ضد أي تهمة يسوقونها لي».
ويقول «سُحب جواز السفر مني في العام 1978 واستعدته في العام 2011، وأظن أنني بصحة جيدة سأعيش وسأستعيده قبل أن أموت». وعندما سألته «السفير» عن الوسيلة قال «حراك الناس والمعارضة الرسمية وغير الرسمية سيعيد تصحيح الأوضاع يوما ما وسيحاسب جميع من عبث بتاريخنا وشوه سمعتنا وشتم وقذف واتهم، في محاولات لاغتيال شخصيات بالعشرات عبر تشويه السمعة وعبارات التخوين في الإعلام الاجتماعي والرسمي، هذا اليوم آت لا محالة”ا
 
المصدر