مقتطفات من محاضرة في قاعة فلسطين في مقر جمعية وعد

مقتطفات من محاضرة تشرفتُ بإلقائها في قاعة فلسطين في مقر جمعية العمل الديمقراطي – وعد

 22 / 12 /2010

 قراءة في  التحولات السياسية في البحرين

…………………………………… ………

ستدور الأمثلة التي سأتناولها حول تحولين يثيران القلق في المجال السكاني/الديمغرافى و في المجال الحقوقي . ففي هذين المجالين ، كما في مجالات أخرى تمارس السلطة دور المهندس الذي يقوم باء عادة بناء مجتمعنا ليتناسب مع احتياجات إدامة السلطة . و في المجالين ، كما في غيرهما ، تتدخل السلطة باستخدام مختلف أدواتها و قدراتها ، أي ذهب المعزُّ و سيفه ، لتحويل مسار التغير الاجتماعي و السياسي و الثقافي بما يناسب مصالحها كسلطة .

لقد كشف تقرير البندر عن مشاريع مختلفة تدخل في إطار الهندسة الاجتماعية التي تعيد تشكيل مجتمعنا عن طريق هدم مالا يلائم السلطة من بنىً.  و كذلك عن طريق اصطناع بني أخرى تلائمها . إلا أن تقرير البندر, كما تعرفون ، لم يتعرض إلا إلى جانب محدود، و إن لم يكن بسيطاً، من ممارسات السلطة فى مجال الهندسة الاجتماعية . و هو الجانب الذي يتعلق بإعادة تشكيل البنية الطائفية في البلاد .   بالإضافية إلى أهميته في هذا المجال, فإن لتقرير البندر أهمية خاصة لأنه كشف , بل أكدّ, إن  أن هناك في السلطة  أناسٌ من يؤمنون  بأن مصلحتهم فوق مصلحة الوطن و أن غاياتهم تبيح لهم  استخدام كل الوسائل مهما كانت . أي حتى و لو تنافت مع تاريخ هذا المجتمع و أعرافه، حتى لو هددت مستقبلنا جميعا .

أقول أن ما تضمنه تقرير البندر ليس إلا أحد الأمثلة على ما أسميه هنا بمشاريع الهندسة الاجتماعية . و بطبيعة الحال هناك أمثله أخرى . و قد يكون ما خفي أعظم . قبل أن أصل إلى تلك الأمثلة . سأتوقف معكم قليلا لمناقشة مفهوم السلطة الذي نستخدمه في مناقشاتنا . 

الدولة و السلطة

يعرف من تطلع منكم على آرائي في هذا المجال اننى أفرِّق بين الدولة و بين السلطة . فالمفهومان مختلفان نظريا و عمليا و إن تداخلا . و على أساس هذا التفريق النظري و العملي فلقد زعمت أن بناء الدولة في البحرين ظل منذ بداياته في العشرينات من القرن الماضي و حتى الآن مشروعا مطلوبا … و لكن البني السياسية و الثقافية و الاجتماعية اللازمة لاستكماله لم تكتمل . و لهذا أزعم أن الدولة في البحرين  هي مهمة غير منجزة  , وأن  العقبات البنوية أمامها مازالت عميقة وراسخة.

لقد أنكر على بعض الكتاب الاعلامين هذه الرؤية و إعتبروني عاجزاً عن رؤية تجليات الدولة الحديثة في البحرين بمؤسساتها و قوانينها و بناها المادية و المعنوية . لن أدافع عن وجهة نظري الآن و في هذه الجلسة.  و لكنني أحتاج إلى تأكيد أن إقتناعي بعدم عدم انجاز مهمة بناء الدولة لا يعني اننى  أنكر وجود السلطة السياسية.   فهذه السلطة السياسية نراها و نسمعها في كل لحظة. فالبحرين كغيرها من البلدان و التجمعات البشرية على اختلاف درجات نموها و تطورها السياسي و الاجتماعي تعيش في ظل سلطة سياسية مستقرة نسبيا و تتولى تسيير الأمور فيها والتحكم في خيارات الخاضعين لها.

لتوضيح وجهة نظري يمكن التميز بين سلطتين على الأقل:  سلطة شرعية  و سلطة أمر واقع

تقوم السلطة الشرعية على اعتراف الناس و تراضيهم على الخضوع لإرادتها طوعا لا جبرا أو قهرا. بطبيعة الحال تختلف نماذج السلطة الشرعية و لكنها تجتمع تحت ثلاثة عناوين :

–         سلطة تحكم بإسم الله .

–         سلطة تحكم بالتخويل الالهى(كما كان حال الخلافات الإسلمية و المَلَكيات الأوروبية في القرون الوسطى) .

–         سلطة تحكم بالتخويل المدني (كما هو الحال في الكيانات القبلية، و كذلك الدول الحديثة).

في كل هذه النماذج تتطلب الشرعية توافر عدة شروط سأذكر منها أربعة:

الشرط الأول  هو اعتراف الناس بهذه السلطة  أي تراضيهم على قبولها و طاعة قوانينها و إجراءاتها حتى و لو كانت تلك الإجراءات و القوانين لاتتلائم  مع مصالح هذه الفئة أو تلك منهم (ومنها على سبيل المثال جباية الضرائب أو إعلان الحرب).

الشرط الثاني هو امتلاك السلطة لقدرة فعلية على ممارسة سلطاتها على جميع سكان الأقاليم و جميع مناطقه (ومنه على سبيل المثال القدرة على فرض القانون على جميع سكان الإقليم وفي جميع مناطقه دون إستثناء).

الشرط الثالث  فهو اندماج أهل السلطة في المجتمع الذي يحكمونه. أي اعتبارهم لأنفسهم جزءً من النسيج الاجتماعي لمجتمعهم . فلا هم فوق الناس و لا خارج الجماعة.

الشرط الرابع  فهو امتداد لسابِقهِ و يتطلب اقتناع الناس بأن أهل السلطة هم فعلا جزء من النسيج الاجتماعي استنادا إلى معايشتهم اليومية لممارسات أهل السلطة .(كان الأتراك في الولايات العربية يتصرفون و كأنهم خارج المجتمع و فوقه و كان الناس يعتبرونهم كذلك ) .

أما سلطة الأمر الواقع فهي على العكس من ذلك . فهذه لاتحتاج إلى رضا المحكومين عنها.  فهي سلطة تفرض نفسها بالقوة و عن طريق القهر في الغالب    و لعل أقرب الأمثلة إلى الذهن هو سلطة الامر  الواقع التي يمارسها الاحتلال الاسرائيلى في المناطق الفلسطينية المحتلة . و بطبيعة الحال، ثمة أمثله أخرى كثيرة لسنا في حاجة هنا لذكرها .

ما يميز سلطة الأمر الواقع أها لاتريد الشرعية بل هي تريد الطاعة. هي لاتريد محبة رعاياه لها بل تريد منهم الخضوع لها و هم صاغرون. أما الناس المحكومين فإنهم يطيعون سلطة الأمر الواقع ليس لأنها سلطة شرعية وليس لأنهم راضون عنها بل بسبب قدرتها على إجبارهم على طاعتها.   فطاعة سلطة الأمر الواقع مرهونة بالعجز عن عصيانها. و يرتبط هذا العجز بعوامل عدة متداخلة أبرزها بطبيعة الحال انقسام الناس فيما بينهم  وإقنتاعهم بأنهم ذوي حيلة قليلة.

تحتاج السلطة الشرعية إلى إقناع الناس بشرعيتها. ولهذا تقوم هذه السلطة الشرعية بتوليد وتكثير الأساليب التي تكرس إقتناع الناس بشرعيتها.   من جهة أخرى تحتاج سلطة الأمر الواقع إلى إقناع الناس بعجزهم عن عصيانها عن طريق توليد وتكثير الأساليب التي تكرس إقتناع الناس بعجزهم عن عصيانها. ومن بين أكثر هذه الأساليب شيوعاً هو زرع الخوف  اليأس بين الناس.

 …………..

 تعرف سلطة الأمر الواقع في بلادنا أن أحدا لن يصدقها و لا أظنها مهتمة بأن يصدقها الناس . فما هو واضح إنها تريد بالحملة الأمنية الأخيرة أن تعيد تشكيل الحيز العام بحيث تضيق يوما بعد يوم المساحة المتاحة للاحتجاج السلمي . وصولا لإنهائه تطبيقا لباقة قوانين و ضعت البلاد من جديد على سكة قانون أمن الدولة .

…………………..  

………………..