السعي لإعادة بناء جدار الخوف

-يشتد الحصار الإعلامي الذي تعاني منه  المعارضة البحرينية  منذ دخول القوات السعودية والأماراتية لقمع الحركة الإحتجاجية في البحرين.   فعلى الرغم من إستمرار “الأحداث” في البحرين فإن وسائل الإعلام الخليجية  أو الخاضعة لسيطرتها لا تتعرض لهذا البلد إلا دفاعاً عن النظام بترديد ما يفرزه إعلامه الرسمي.  ويمكن ملاحظة كيف تساهم  قناتا العربية والجزيرة وغيرهما من فضائيات درع الجزيرة في الحملة العسكرية الأمنية التي تقوم بها السعودية والإمارات في البحرين.   إلا أن المعارضة البحرينية رغم هذا الحصارغير المسبوق  أثبتت قدرتها على إيصال صوتها إلى العالم الخارجي. ولهذا  تصدرت أخبار البحرين صحفاً رئيسية في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.  فبفضل ما تنشره هذه الصحف وغيرها من وسائل الإعلام  ووسائل الإتصال الإجتماعي  يعرف العالم تفاصيل ما يحدث في البحرين من مداهمات وبطش غير مسبوق ويرى العالم  كيف تعود البحرين إلى  حالة الدولة البوليسية التي كانت عليها في التسعينيات.

يسعى هذا الجزء الثاني من المقال إلى متابعة المسار الذي يشير إليه سيل الأخبارالتي لا ينتهي عن الإجراءات القمعية المتصاعدة التي إتخذتها السلطة الخليفية بدعم أمني وعسكري من السعودية والإمارات. كما يسعى إلى مناقشة التفسيرات التي يعطيها المراقبون لتلك الإجراءات التي أسقطت عن السلطة قناعها “الإصلاحي/التحديثي”.    

إنتقام أم إرتباك و تخبط

يؤكد بعض المتابعين على أن إجراءات السلطة هي  جزء من حملة إنتقامية تشنها السلطة الخليفية على الناس وخاصة  قيادات المعارضة ونشطائها وحتى جماهيرها.  فلم يكن سهلاً على السلطة أن تسمع عشرات الألوف من الناس تردد في دوار اللؤلؤة وفي المسيرات عبارات التنديد برأس الفساد والإفساد في البلاد وتطالب بتغيير النظام وغيرها من شعارات تفاوتت بحسب تفاوت ألوان طيف المعارضة السياسية.   لم يكن سهلاً على السلطة أن تكتشف إتساع ساحة المعارضة وحجمها وتنوعها. ولم يكن سهلاً عليها أن تكتشف إنها بلا عون داخلي يمكنها الإعتماد عليه.   فحتى قوى الموالاة التي تجمعت لدعم السلطة لم تأتِ لنجدتها إلا بشروط ومطالب لم تكن السلطة تسمعها من قبل .  بل وجدت اتفسير أنها في حاجة إلى العون  الأمني والمعسكري والإعلامي ليس من الشقيقة الكبرى في السعودية فحسب ولا من دولة الأمارات بل حتى من عدوتها اللدودة عائلة آل ثاني في قطر.

هناك الكثير من المؤشرات على أن بعض ما تقوم به السلطة هو إجراءات إنتقامية من قيادات المعارضة ونشطائها ومن الناس الذين ساندوا الحركة الإحتجاجية من أجل التغيير.  وإلا فما تفسير  أن يُحرق المقر الرئيسي لجمعية العمل الوطني في المنامة ومقر فرعها في المحرق؟ أو أن يتعرض منزلا الصحافية  لميس ضيف والأستاذة الجامعية منيرة فخرو لمحاولات حرق؟ ليس من ثمة  تفسير سوى  أن السلطة تريد الإنتقام منهما ومن الجمعية بسبب مواقفهم  السياسية.  أليست  الرغبة في الإنتقام هي سبب ما تتعرض له الدكتورة ناهد الشيراوي أو  الدكتورة ندى ضيف أالأمنية سواء وعشرات من  زميلاتهن الطبيبات والممرضات  المعتقلات منذ أسابيع؟  أطرح السؤال و أنا متيقن أن السلطة الخليفية لن تغفر لهؤلاء الشابات ولا لغيرهن من خيرة بنات هذا الوطن أنهن ساهمن في كسر الصورة النمطية عن نساء البحرين من جهة وعن مكونات المعارضة من الجهة الأخرى. 

نرى السلطة تتخبط مرتبكة وهي تتخذ الإجراءات المتناقضة أحيانا التي وإن تخيلتها إجراءات فعالة فهي لن تحل أزمة شرعيتها بل ستزيدها تفاقماً. فليس مفهوماً قيام السلطة الخليفية بإطلاق أيدي بلطجيتها, وبعضهم بكامل ملابسهم العسكرية,  لترهيب الناس في الشوارع  الرئيسية وفي أزقة القرى والأحياء وتوجيه الشتائم البذيئة للعابرين بسياراتهم على الحواجز الأمنية. وليس مفهوماً ما تناقلته وسائل الإعلام الخارجية ووسائل الإتصال الإجتماعي من صوروأفلام  يقوم فيها شرطة الشغب بتكسير زجاج نوافذ السيارات وتمزيق عجلاتها؟    

  نعم ثمة إجراءات تولدها الروح الإنتقامية من أناس  تجرأوا على رفع شعار ” الشعب يريد إسقاط النظام” ومن أناس فضحوا بعض جوانب من فساد النظام حين تداولوا الوثائق التي تكشف كيف  إشترى خليفة بن سلمان المرفأ المالي بقيمة دينار واحد.  ونعم ثمة تخبط سياسي وهناك تعدد في مراكز إتخاذ القرار.  إلا أن ما يحدث في البحرين وما يعانيه الناس فيها هو أكبر من مجرد غضب حاكم ورغبته في الإنتقام و أكبر من مجرد إرتباك في الأجهزة. لهذا فمن الضروري ملاحظة أن ثمة أهداف أخرى تسعى السلطة لتحقيقها من وراء إطلاق أيدي الأجهزة الأمنية  سواء التابعة منها  لوزارة الداخلية أو الحرس الوطني أو قوة الدفاع. فحالة الإنفلات الأمني التي تشهدها البلاد ليست كلها نتاج التنافس بين الأجهزة وتخبط القرار السياسي بعد أن إستعاد خليفة بن سلمان أغلب صلاحياته  التي سحبها الملك منه  في السنوات الأخيرة.  

يعزو بعض المحللين ما نشاهده من تخبط وإرتباك في الإجراءات التي تتخذها السلطة  إلى التنافس بين مراكز إتخاذ القرار المتعددة والمتناقضة أحيانأ. ففي داخل العائلة الخليفية هناك أجنحة ومراكز قوى يتصدرها كل من   الملك وولي عهده وعمه.  ومن جهته يلعب العامل الخارجي دوراً مباشراً ومؤثراً في تفاصيل الأمور في البحرين. فمن جهة هناك السعودية التي يتكفل وزير داخليتها نايف بن عبدالعزيز بمتابعة الوضع البحريني.  ومن جهة أخرى هناك الطرف الأميركي الذي لولا رضاه لما تجرأت السعودية والإمارات على التدخل العسكري في البحرين رغم ما قد يتولد عنه من توتير داخلي وإقليمي.

سأحاول فيما يلي أن أبيّن أن الإجراءات القمعية التي تعاني البلاد منها منذ الفتح الثاني أي منذ إستنجاد السلطة الخليفية بالقوات السعودية والإماراتية إلى البحرين  في 15 مارس 2011  تشكل جزء من إستراتيجية  شاملة ومتعددة المسارات لإعادة التاريخ إلى الوراء.  فالسلطة تعرف مثلنا أن حال البحرين بعد الرابع عشر من فبراير قد تغير. وهي تعرف أن الناس قد قفزت على حاجز الخوف وتجاوزته يوم فتح الشباب صدورهم في مواجهة قوات الشغب والحرس الوطني وقوة الدفاع التي هجمت في فجر السابع عشر من فبراير على ميدان اللؤلؤة  بهدف “تطهيره”.  وحين عاد المعتصمون إلى الدوار بعد يوميْن من سفك الدماء عرفت السلطة كما عرفنا أن البحرين تشهد إرهاصات تاريخ جديد لن تستطيع السلطة الخليفية تشكيله رغم ما تملكه من قدرات ورغم ما توفره لها السعودية والإمارات من قدرات وموارد إضافية مالياً وعسكرياً وإعلامياً وأمنياً.  

إستراتيجية “الصدمة والترويع”

علاوة على التفسيرات الأخرى لسلوك السلطة الخليفية ودرعها السعودي الإماراتي أرى أنها  تسعى أيضاً إلى تحقيق ما سماه الأميركيون في حرب الخليج الثالثة التي أدت إلى إحتلال العراق بإستراتيجية الصدمة والترويع. فالسلطة الخليفية أيضاً تأمل أن تحقق أهدافها عن طريقيْن. أولهما “الصدمة” أي عن طريق  توجيه الضربات الشديدة و المتلاحقة و الإستخدام المفرط للعنف.  ثانيهما عن طريق إذلال الناس بإستخدام  قدرات الدولة ومؤسساتها.   ولهذا  صارت جميع المحرمات مقبولة لديها  منذ أن تخلت عن كل إدعاءات الشرعية  ومنذ أن قررت الإعتماد على الجيش السعودي للحفاظ على مواقعها.  

سأورد فيما يلي جردة بأبرز الإجراءات التي تقوم بها السلطة الخليفية لتنفيذ إستراتيجية الصدمة والترويع ولإعادة حركة التاريخ إلى الوراء.  

أ-  الحواجز الأمنية

أول الإجراءات وأكثرها إنتشاراً هذه الأيام هو إقامة حواجز التفتيش الطيارة في بعض شوارع البلاد وعلى تقاطعات الطمنها أكثررى. فلقد أطلقت السلطة العنان لعناصر الأمن الملثمين لإقامة  تلك الحواجز بهدف إيقاف ما يشاؤون من السيارات العابرة وتفتيشها و إهانة راكبيها. بل وأعرف عن أناس قامت العصابات الملثمة وغير الملثمة بعد تفتيشهم وتفتيش سياراتهم  بتوقيفهم لساعة أو أكثر على قارعة الطريق لأن إسم أحدهم عبدالنبي أو لأن إسم إحداهن زهراء. هذا عدا عن العشرات  ممن سيقوا إلى المعتقل بعد توقيفهم على هذا الحاجز أو ذاك.

يعرف من عانى من ويلات الحروب الأهلية ومن النزاعات الناجمة عن إنهيار الدولة وأجهزتها الدور الخسيس الذي تلعبه الحواجز الطيارة التي تقيمها المليشيات وعصابات القتل على الهوية.  ولكننا في البحرين نرى الآن مليشيات تابعة لوزارة الداخلية و الحرس الوطني وقوة الدفاع تتنافس فيما بينها على من منها  أكثر قدرة على ترهيب الناس. ولا يقتصر الأمرعما يعانيهات والسباب  أو الضرب بل يتعداه إلى التوقيف لساعات أو الإختطاف والإحتجاز في أماكن غير معلومة.   

ب- إجتياح القرى والأحياء

تتوارد الأخبار عما  يعانيه الأهالي  في مناطق مختلفة من المنامة وقرى المنطقتيْن الشمالية والغربية بسبب عصابات الملثمين التي تجتاح مناطقهم في ليالي متفرقة.  ولا تبدو هذه حركات لوفرية منفلتين بل أعمال منظمة يقوم بها أفراد يملكون الصلاحية والسلطة على إيذاء الناس.  وفوق ذلك فلا أحد غير بلطجية السلطة يملك الجرأة على التجول في تلك القرى والمناطق بعد منتصف الليل مطلقاً الرصاص في الهواء.  بل أن الناس لا تجرؤ  عندها على فتح النوافذ والنظر خارجها لكي يتبينوا الأمر. ولا حاجة لهم بذلك فلا أمان لمن يحاول. و الناس على أية حال تعودوا على رؤية الملثمين وهم يجوبون أزقة القرى والمناطق السكنية محدثين جلبة بمحركات سياراتهم أو بأزيز رصاصهم.  ولا يجرؤ أحدٌ على تقديم شكوى. فإلى من يشتكي الناس طالما أن عصابات الملثمين تعبر الحواجز التي أقامتها قوات درع الجزيرة دون أن يوقفها احد؟

 ج- مداهمة المساكن وأماكن العمل  

أحد الأشكال التي تستعرض بها السلطة قدراتها على البطش  هو العنف الذي يترافق مع  مداهمة بيوت النشطاء السياسيين.  فثمة تقارير مؤكدة ومتكررة تشير إلى إسلوب محدد لزيادة ترويع الناس من سكنة المنطقة أو القرية التي يسكنها هذا الناشط أو تلك الناشطة.

تستخدم الجهات الأمنية عشرات العناصر الملثمين حين تشن هجوماً على منزل أحد المطلوبين ما بين منتصف الليل وصلاة الفجر. يتسلق الجنود الملثمون حائط البيت وهم يحملون ما تيسر لهم من سلاح ويكسرون الأبواب بغرض مفاجأة أهل البيت وهم نيام.  وبطبيعة الحال فلا حرمة لعجوز ولا لمريض ولا لطفل. فحتى الأطفال أعداالمهاجمون البيتون. ولا يكتفي المداهمون بتفتيش البيت وإعتقال المطلوب بل يقومون بما يتيسر لهم من تكسير وتخريب. وأعرف من مصادر موثوقة ضحايا تعرضت بيوتهم للنهب والسرقة على أيدي رجال الأمن المداهمين. وكثيراً ما يداهم المهاجمون  البيت الغلط عوضاً عن بيت الشخص المطلوب حسب القوائم المعدة.  بل وأعرف عن بيوت دوهمت أكثر من مرة رغم إن ليس من بين ساكنيها من هو مطلوب.  وسواء أكان الغلط مقصوداً أم كان بسبب غباء الجهات الأمنية فإن للمداهمات الفجرية دوراً أساسياً في مخطط الترويع الذي تعتمده السلطة. وإلا فما فائدة إفتعال الجلبة في أثناء التفتيش و ما فائدة تكسير أواني  المطبخ أو تخريب غرف نوم الأطفال؟

د – إتساع حملة الإعتقالات

تشير الأرقام المتوفرة حتى اليوم أن عدد الإعتقالات منذ دخول القوات السعودية والأماراتية بلغ  ثمانمائة معتقل من بينهم أربعين إمرأة وعدد غير محدد من الأطفال.  وبسبب تعدد الأجهزة المعنية بالإعتقالات (الداخلية وقوة الدفاع والحرس الوطني بالإضافة إلى القوات السعودية) فلا يستطيع أهالي عدد كبير من المعتقلين معرفة أماكن إحتجاز بناتهم وأبنائهم.  وبسبب أن بعض الإعتقالات تتم من قبل رجال ملثمين وبملابس مدنية فإن هناك على الأقل أربعين شخصاً في عداد المختطفين إذ تنكر أي من الأجهزة الرسمية وجودهم لديها.  

وبسبب العزل المفروض على المعتقلين ومنع إتصالهم بعائلاتهم وبمحاميهم تزداد المخاوف من تعرض الكثيرين منهم  إلى التعذيب الجسدي والنفسي. ويعزز هذه المخاوف إستشهاد أربعة من المعتقلين في الأيام التسعة الأخيرة.  وتشير أخبار غير مؤكدة إلى نقل عدد من المعتقلين إلى المستشفى العسكري تحت حراسة مشددة لتلقي العلاج. و من بين هؤلاء الأستاذ إبراهيم شريف  أمين عام جمعية العمل الديمقراطي والأستاذ حسن مشيمع أمين عام حركة حق. 

هـ – آيات ورولا وناهد وندى و أخواتهن

تقبع عشرات النساء في المعتقلات منذ أسابيع.  ولا يعرف أهالي بعضهن عن مواقع إحتجازهن.  نعم هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها المناضلات لقمع السلطة. فمنذ الستينات ساوت أجهزة  القمع بين نساء البحرين ورجالها. إلا أن هذه أول مرة في تاريخ الحركة الوطنية التي تتجرأ السلطة فيها على إعتقال أكثر من أربعين شابة  في وقت واحد وإبقائهن رهن الإعتقال لأسابيع دون إتصال مع أهاليهن. ومعلومٌ أن أغلب المعتقلات هن طالبات جامعيات لم يبق على تخرج بعضهن سوى شهريْن.  وبينهن ثمانٍ من الطبيبات المشهود لهن بقدراتهن المهنية ودورهن الإنساني.  وحسبما نعرف فإن السلطة لا تستطيع أن تتهم أيا من النساء المعتقلات بعمل يدينه القانون. فواحدة  ألقت قصيدة وثانية ألقت خطاباً وأخريات  عالجن جرحى أو ساهمن في تنظيم الإعتصام في الدوار.  إلا أن السلطة الخليفية مدعومة بالقوات السعودية والأماراتية قررت أن تدوس على الأعراف كما داست على القوانين المرعية وكما داست على  شرائع حقوق الإنسان.   وسأضرب مثلاً هنا.

 في صبيحة  يوم 29 مارس داهمت قوات الشغب ترافقها مجموعة من الشرطة النسائية المنزل  الذي تسكنه عائلة الطالبة آيات القرمزي بغية اعتقالها. وحين لم يجدوها في المنزل قامت قوات الشغب بتكسير محتويات المنزل و بالأخص غرفة آيات.  ولم يطل الأمر حتى تم إعتقال الشاعرة إبنة العشرين. “جريمة”  الطالبة آيات القرمزي هو مشاركتها في إعتصامات اللؤلؤة وألقأئها قصيدة نددت فيها بالحكومة وعلى رأسها خليفة بن سلمان الذي يتفق الكثيرون على أنه رأس الفساد  في البلاد.

تعرضت آيات منذ أن ألقت قصيدتها إلى المضايقات وطال التهديد أفراد عائلتها. ولم يتخلف التلفزيون الرسمي وعدد من أجهزة إعلام السلطة عن المساهمة في حملة الشتائم ضدها.  بل وتقول إشاعات غير مؤكدة وإن كانت متداولة في وسائل الإتصال الإجتماعي بأن أجهزة الأمن نقلت الشابة آيات مباشرة إلى خليفة بن سلمان  لكي يأخذ منها “حقه” قبل إيداعها المعتقل. 

آيات وأخواتها الأربعين في أيدي جلاوزة السلطة الآن. فلقد وجد الجيشان السعودي والإماراتي أن الحفاظ على أمن الخليج لا يتم إلا بمداهمة بيوت أربعين أمرأة بحرينية وإعتقالهن وتعريضهم للمهانة والتعذيب. 

و – الموت تحت التعذيب

قبل إسبوع أُعلنت وفاة رجل الأعمال كريم فخراوي  بعد أقل من تسعة أيام على إعتقاله.  وبهذا يصبح الشهيد فخراوي هو الضحية الرابعة منذ بداية هذا الشهر الذي يموت وهو في عهدة أجهزة الأمن . ففي الثالث من أبريل إستشهد تحت التعذيب عيسى إبراهيم صقر. وفي التاسع منه أستشهد تحت التعذيب كل من عيسى إبراهيم وزكريا راشد. 

لقد أقلق إستشهاد أربعة أشخاص في ظرف تسعة أيام بسبب التعذيب منظمات وهيئات دولية معنية بحقوق الإنسان. ومن بين هذه منظمة هيومن رايتس ووتش  التي أصدرت بياناً  لتذكير السلطات البحرينية بمسئولياتها حسب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وبأن القتل تحت التعذيب هو بمثابة إعدام خارج القانون. وهذه جريمة تستدعي إحالة جميع المتورطين فيها بمن فيهم “من ترد أسمائهم في شكاوى لأقارب أو بناء على تقارير موثوقة” إلى التحقيق المستفيض والفوري والنزيه. 

تظن السلطة الخليفية إن رموزها وجلاوزتها سيفلتون هذه المرة  من العقاب.  وهي تظن أن الحماية الأميركية والإحتضان السعودي سيحميانها من المساءلة.  إلا إنها غافلة عما يحدث أمام أعيننا. فلم تتمكن الحماية الأميركية والإحتضان السعودي  من حماية المسئولين عن أجهزة التعذيب من المساءلة في تونس ومصر.  وكما لم يفلت سفاحو تونس ومصر لن يفلت السفاحون في البحرين من العقاب.

ز – لجان التطهير

شكلت السلطة  لجاناً للتحقيق في مختلف الوزارات والمؤسسات العامة والبنوك وحتى في الشركات التي تعتمد على المشاريع الحكومية.  ولعل التوصيف الأنسب لعمل هذه اللجان هو ” لجان التطهير” فهذه هي مهمتها الحقيقية. وهو على أية حال الوصفُ  الذي يستخدمه إعلاميو السلطة أنفسهم.  ولقد رأينا أمثلة على كيف صار المسئولون في الوزارات والإدارات والمؤسسات  يتنافسون على “تطهيرها” من المشاركين في الإحتجاجات وحتى ممن “يُشك” في أنهم زاروا دوار اللؤلؤة مجرد زيارة.  وصارت الإتهامات الكيدية من زملاء العمل إحدى الأدوات الإدارية في عمليات التطهير.

تزداد أعداد المشمولين بقرارات لجان التطهير يوماً بعد يوم.  لهذا يصعب حصرها. فقبل أيام أصدر إتحاد النقابات في البحرين قائمة تضم أسماء أكثر من سبعمائة وخمسين شخصاً ممن تقدموا بشكاوى ضد تسريحهم تعسفياً بحجة مشاركتهم في الإحتجاجات.  إلا أن العدد زاد عن ذلك كثيراً.  وصارت الإتهامات الكيدية من زملاء العمل إحدى الوسائل الإدارية في عمليات التطهير.

ففي ألبا صدرت الأوامر الإدارية بفصل أكثر من مائة وخمسين من العاملين فيها بحجة مشاركتهم في إضراب.   وطُرد عددٌأن نشاط شركة طيران الخليج.  وهناك قائمة بأكثر من مئة عامل آخر ستصدر أوامر فصلهم بعد أن أعلن رئيس النقابة في ألبا علي البنعلي  تخلي النقابة عن واجب الدفاع عنهم.  كما صدرت إنذارات وخصومات من الراتب بحق أعداد أخرى من العاملين في الشركة بحجة ما تسميه الشركة “مخالفتهم للأنظمة”.  ويتكرر الأمر نفسه في  بابكو التي بدأت إدارتها جهودها التطهيرية بفصل رئيس النقابة فيها من عمله.  وفي  وزارة التربية والتعليم  تستمرلجان التطهير في التحقيق مع عدد كبير من المعلمين والإداريين  حول مشاركتهم في الأعمال الإحتجاجية.  بل قامت بالفعل بإيقاف عدد من مديرات المدارس تمهيدا لإعلان فصلهم من أعمالهم.  من جهتها أعدت لجان التطهير في جامعة البحرين عدة توصيات وقرارات. ومن بين هذه قرار بفصل  عميدة لإحدى كلياتها وسبعة  أساتذة  وخمسة وعشرين إدارياً  وتوجيه إنذارات نهائية لعدد  آخر من اساتذة الجامعة وموظفيها وطلبتها. علاوة على ذلك قررت لجان التطهير  فصل إثنين وستين  طالباً وطالبة فصلاً نهائياً وفصل آخرين لمدة عام  و توقيف البعثات الدراسية لعدد من طلبة الدكتوراة. وما زالت لجان التطهير تواصل عملها في الجامعة.  

أشرتُ إلى أن  نشاط لجان التطهير تشمل جميع الوزارات والمؤسسات العامة وحتى في الشركات التي تعتمد على المشاريع الحكومية.  وهنا لا نتحدث عن تطهير يطال أصحاب وظائف هامشية  أو وظائف حصل عليها أصحابها عن  طريق الواسطة أو بحكم إنتمائهم العائلي أو القبلي بل عن وظائف  مهنية متخصصة يؤدي أصحابها خدمة حيوية للمجتمع. ويشمل التطهير العاملين في مجال الخدمات الصحية بمن فيهم كبار الإخصائيين من الأطباء والطبيبات وغيرهم.  ومعلومٌ أن أول إجراء إتخذته  الوزيرة فاطمة البلوشي بعد إستلامها   حقيبة وزارة الصحة هو الأمر بإيقاف ثلاثين  من الأطباء والممرضين  كدفعة أولى. وينتظر آخرون أوامر االمثول أمام لجان التطهير تمهيداً للصرف من الخدمة أو سحب تراخيص عياداتهم الخاصة.  

 ويشمل نشاط لجان التطهير مختلف نواحي المجال العام. فلم يكتف  المسئولون عن الرياضة  في البلاد بإصدار البيانات السياسية التي  يستنكرون فيها  “خلط الرياضة بالسياسة” بل صاروا ينددون بزملائهم الرياضيين الذين شاركوا في الحركة الإحتجاجية. و أدى الضغط الرسمي إلى إضطرار مسئولي هذه الأندية إلى شطب “كل من ثبت تواجده”  في مسيرة الرياضيين المتجهة إلى دوار اللؤلؤة. ويعتمد إداريو الأندية في عملهم التطهيري على القوائم  الرسمية التي توفرها لهم الأجهزة الأمنية.  و بسبب التنافس بين الإداريين على تقديم الولاء رأينا أن سيف التشطيب قد حاش كثيرين  من بين الرياضيين و المدربين و الطواقم الفنية في تلك الأندية. وبطبيعة الحال شملت قوائم التطهير أبرز الأسماء الرياضية في البلاد و أنهت الحملة بمفعولٍ فوري عقود لاعبين أساسيين في المنتخبات الوطنية في أكثر من لعبة.

 ح –  حملات التشهير

 ” وأكدلفزيون الرسمي حفلات “الإستجواب” العلنية لعدد متزايد من الأداريين والمسئولين التنفيذين في مختلف أجهزة الدولة بسبب فشلهم  في منع مرؤسيهم من المشاركة في الأعمال الإحتجاجية.  بل شملت المحاسبة العلنية في التلفزيون االرسمي من لا دور لهم في الإحتجاجات ولا سلطة لديهم لمنع المشاركة فيها. فهي شملت “محاسبة” أطباء وطبيبات ( ومنهم الساعاتي والجلاهمة وأمين وغيرهم) لأنهم لم يمنعوا معالجة جرحى الأحداث في المستشفي الرئيس في السلمانية أو لأنهم لم يمنعوا زملاءهم من المشاركة في الإحتجاجات.  بل بلغ الأمر إلى إدعاء  أن “بعض الأطباء  في مستشفى السلمانية كانوا يشرفون على تلقيح المصابين بالغاز المسيل للدموع بمواد تؤدي إلى تشنج في الأعصاب وارتعاش ، إضافة إلى زيادة ضربات القلب وحدوث إسهال؛ ليظهرالمصابون وكأنهم قد أصيبوا بغازات سامة!!”  وأكد طبيب من أنصار السلطة “أن هذه المواد قد اختفت تقريبا مع نهاية الأحداث؛ ما يعني أنها استخدمت بشكل فج لهذا الغرض”. في أحد البرامج الذي بُث منه أكثر من سبعة وأربعين حلقة حتى الآن لم يكتفِ بمحاسبة “التقصير” على مستوى البحرين بل صار يدين نواباً وصحفيين في الكويت لمجرد إنهم شككوا في الرواية الرسمية عن الأحداث في البحرين. وتتم بعض حفلات “الإستجواب” دون السماح لضحاياسائقي سياراتلرد على الإتهامات التي يوجهها لتلفزيون الرسمي لهم.      

 ط – التهديد بقطع الأرزاق

لا ينحصر قطع الأرزاق و السعي لإذلال الناس بفصلهم من وظائفهم فيما تقوم به لجان التطهير في الوزارات والمؤسسات العامة. بل هي تشمل سحب تراخيص مزاولة المهنة لأصحاب المهن الحرة بمن فيهم المحاسبين والمحامين والأطباء و المهندسين وأصحاب مكاتب الخدمات وشركات المقاولات الصغيرة.  وتتعرض النساء العاملات في الوزارات والمؤسسات العامة بشكل خاص إلى الإبتزاز والتهديد بالإحالة إلى لجان التطهير.

من جهة ثانية نشر الإعلام الرسمي خبر سحب تراخيص العمل لأكثر من مئة من سائقي  سيارات الأجرة بسبب مشاركتهم في إحتجاجات دوار اللؤلؤة . ورغم أن السواقين أفادوا لجان التطهير أن مشاركتهم لم تكن لزعزعة الأمن  بل من أجل مطالب معيشية وخدمية سبق لهم أن رفعوها إلى السلطات التي لم تستجب لهم. وقامت لجان التطهير أيضاً بمعاقبة عدد آخر من سائقي  سيارات الأجرة  بسحب التراخيص الخاصة بالوقوف في بعض الأماكن السياحية.

 من جهة أخرى تتناقل أوساط التجار المتوسطين والصغار مخاوفهم من إتخاذ السلطة الخليفية عدداً من الإجراءات بعضها بهدف  الإنتقام من مواقف وطنية إتخذها بعضهم أو بهدف عقابهم على عدم مشاركتهم في مهرجانات الولاء التي إنطلقت في ساحة جامع الفاتح وغيرها. أو بهدف أهم هو إبتزازهم و الضغط عليهم لإعلان براءتهم من التحركات الإحتجاجية بشكل خاص والمعارضة بشكل عام.  فلقد سمع التجار مباشرة من خليفة بن سلمان خلال لقائه بوفدٍ كبير منهم إنه يلومهم لأنه لم يسمع  “صوتاً من القطاع التجاري ضد الوضع الذي كان قائماً”. وسمعوا تهديداته الغاضبة بأن السلطة لن تكتفي بمعاقبة من أيد الإحتجاجات من التجار وأصحاب الأعمال بل  ستعاقب حتى من إلتزم الصمت منهم.

 هل تستطيع السلطة الخليفية أن تعيد بناء جدار الخوف؟

قُلتُ أن السلطة الخليفية بدعمٍ من درعها السعودي الإماراتي تراهن على قدرتها على إعادة بناء جدار الخوف عن طريق توجيه الضربات الشديدة و المتلاحقة  للمعارضة و في مختلف الإتجاهات وكذلك عن طريق  الإستخدام المفرط للعنف  وإذلال الناس على الهوية بإستخدام جميع قدرات الدولة ومؤسساتها. فهذا هو فهمها لإستراتيجية “الصدمة  والترويع”.  

لا تعرف السلطة الخليفية أن تسيطر على البلاد دون الإستناد إلى جدار الخوف.  وهو جدارٌ بنته ورعته ترميما وعناية طوال أكثر من خمس وخمسين سنة. إلا إنها وجدته ينهار أمامها شيئاً فشيئاً حتى يزول بعد جريمتها في 17 فبراير.   ومعلومٌ أن العائلالبحرين منإتكلت على  خوف الناس كي تحمي سلطتها وإمتيازاتها. ومعلومٌ أيضاً إنها إستعانت في هذا المجال بالخبرات البريطانية والعربية. ولم تتوان  السلطة الخليفية يوماً عن البطش بمن يخالفها.  ولم يوفر بطشها احداً . فلا يخلو بيتٌ في البحرين  من قصص يرويها الآباء والأمهات  لأبنائهم وبناتهم.  ولم تختص طائفة أو قرية أو حي أو فئة من ذلك البطش الخليفي سواء على  أيدي الأجهزة الأمنية مباشرة أو عن طريق فداوية العائلة الخليفية وجلاوزتها.  وكما نُفي بعض قادة الهيئة في 1956  و سجن بعضهم الآخر  ونفي آخرون   ذاقت أجيال المناضلين  الوطنيين في العقود الخمسة التالية عذاب السجن والنفي والملاحقات وقطع الأرزاق وإنتهاك الحرمات والحقوق.

لا أشك أن خبراء السلطة يعرفون إنها غير قادرة على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. أي إلى ما قبل فجر الخميس الدامي. ومعلومٌ أن تلك الساالمسفوكة جدار فجر السابع عشر من فبراير شهدت غدر أجهزة أمن السلطة الخليفية وقوة دفاعها بالمعتصمين في دوار اللؤلؤة  وهم نيام.  عندها أسقطت الدماء المسفوكة  جدار الخوف.  وعندهلقد وجدتن هذا الجيل قد تحرر ولن يمكن للسلطة أن تعيد تكبيله بأغلال أذابتها دماؤه.  رغم هذه المعرفة إلا أن السلطة الخليفية تصر على تحقيق ما لا يمكن أن يتحقق لأنه ضد التاريخ.  وحتى لو كان بإمكان السلطة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء فإنها ستحتاج إلى جيل كامل كي تعيد بناء جدار الخوف. ولعل معرفة السلطة الخليفية بهذه الحقيقة هو بعض ما يفسر تخبط  إجراءاتها علاوة على إستخدامها المفرط للعنف وأساليب  البطش غير المسبوقة في تاريخ البلاد.

ثمة مثالٌ حيّ لا تحب السلطة الخليفية تذكيرها به. ألا وهو ما يحدث في فلسطين.  فمنذ أن  أسقط أطفال الحجارة في فلسطين جدار الخوف قبل أربع وعشرين سنة لم يتمكن الإحتلال الإسرائيلي بكل جبروته و وحشيته من قمع روح المقاومة لدى أهلنا فيها.  لقد جرب الإسرائيليون كل الأساليب التي تتضمنها إستراتيجية الصدمة والترويع التي تنفذها الآن السلطة الخليفية.  فهل تراجع الفلسطينيون عن المطالبة بحقوقهم الوطنية؟ نعم  تعتمد إسرائيل على دعم الولايات المتحدة الأميركية. و نعم  يستخدم جيش الإحتلال مليشيات المستوطنين في مواجهاته مع أهلنا في فلسطين. ونعم لقد  وجدت إسرائيل موالين لها من بين القيادات الفلسطينية ووجدت لها أصدقاء ومحبين بين حكام بلدان الخليج العربي. فهل أدى ذلك كله إلى أن يرفع  أهلنا في فلسطين الرايات البيض؟ رغم هذا تحلم السلطة الخليفية بأن يتحقق لها ما لم يتحقق لغيرها من أنظمة التسلط والإستبداد.

لا شئ في الخبرات التاريخية يشير إلى أن السلطة الخليفية ستنجح في مساعيها رغم إستنجادها بالخبرات السعودية في البطش.  فحين سقط جدار الخوف في  تونس بعد 17 ديسمبر ومصر بعد 25 يناير لم يتمكن النظامان البائدان في البلديْن من إعادة الساعة إلى الوراء رغم كل الدعم الخارجي الذي حصلا عليه. فليس ترديد “إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر” هو مجرد ترديد لبيتٍ من الشعر.  بل هو تأكيدٌ على حكمة تبني على خبرة تاريخية متراكمة.  

 الدكتور عبدالهادي خلف

20 أبريل 2011

هذا المقال هو الجزء الثاني من أربعة أحاول فيهم أن أرصد جهود السلطة التي تعول على قدرتها ليس على وقف عجلة التاريخ  فحسب بل على إعادتها إلى الوراءخلف.  ولهذا نراها تعول على أن نجاح جهودها سيعيد بناء حاجز الخوف في البلاد كما سيعيد إحياء موروث الفتح وسردياته.  إلا إن هذه الجهود , كما سيتبين, لن تؤدي إلى إنفراد لأنها تعتمد على نفس الإستراتيجيات التي أوصلت البلاد إلى ما فيه من أزمة مستحكمة أمنياً وسياسياً
 

10 thoughts on “السعي لإعادة بناء جدار الخوف

  1. شكرًاً للدكتور عبد الهادي
    لا حرمنا الله من نعمة قلمك وسماع صوتك

  2. Thank you dr. we highly appreciate your support and showing the truth… and we are in need of actual help now, its really time that we required support. What is going on is just unexplainable 😦

  3. هل تعلم لما لن ينجح هذا الجدار بعد الآن؟
    لأننا وصلنا الى نقطة اللاعودة، لأن ليس لنا خيار الا النصر
    فاذا استسلمنا سنعيش في الذل طوال حياتنا
    اذا الاستسلام ليس بخيار ولن يكون ابدا كذلك
    فلتحيا البحرين وليحيا شعبها الحر

  4. أخي أبو رسول
    تحياتي لك فأنت ضمير شعبنا الذي لا يكل وأنت الصامد يوم تخاذل المتخاذلون المتبرؤون حتى من مواقفهم التي لم يمضِ عليها شهر واحد.
    دمت أيها الرفيق وعاش شعب البحرين

  5. كما قال الشاعر الثوره الرسي

    كان في الوجه حياء
    كان في الصدر شعور
    قتلوا هذا و ذاك
    اي حرا لا يثور
    هذا خيارنا وقدرنا وعلينا ان نتأقلم عليه حتى النصر وتغير سلميه سلميه. شكرا دكتور

  6. Dear Abu Rasool

    I would love to see your articles published on Jadalyyia. If you would like to have them published please send them to @ jadaliyya.com

    All the best.

Comments are closed.