ضجة التداول بين أبناء العوائل

 
 

ضجة التداول بين أبناء العوائل

 
تواصل صحفٌ بحرينية , وأجهزة الإعلام الرسمي الأخرى, نشر أخبار وبيانات تتعلق بما تسميه "موجة الاستنكار من قبل العوائل"  ضد جمعية الوفاق. ومعلومٌ أن الجمعية  أصدرت في 12 مارس الحالي بيانا ذكرت فيه أسماء عدد من العوائل البحرينيةا.  ومعلومٌ أيضاً أن ذلك البيان أكد أن الجمعية ترى أن " آل خليفة جزءٌ من شعب البحرين الكريم" وأنها تدعو إلى "احترام أفراد الشعب كافة وجميع العوائل والقبائل ضمن رؤية المساواة بين المواطنين، إذ لا يجوز التمييز بين أي فرد من أفراد أسرة آل خليفة وبين أي أفراد من أسرة الستري أو البنعلي أو البحارنة أو المحمود أو غيرها في تولي المناصب العامة وسائر الحقوق والواجبات." وكرر البيان المعانى ذاتها في فقرات أخرى مستخدماً أسماء عوائل بحرينية  أخرى.

 

لا أعرف معياراً سوى الصدفة وأغراض "التوازن الطائفي" يجمع العوائل التي ذُكرت أسماؤها في بيان جمعية الوفاق. ولولا بديهية هذا المعيار لقال قائلٌ أن من حق آلاف العوائل البحرينية التي لم يتضمنها بيان الوفاق  أن تقاضي الوفاق على تجاهلها وعلى  عدم إدراجها ضمن العوائل التي تستحق أن تتمتع بما تتمتع به العائلة الخليفية من حقوق بما فيها تولي المناصب العامة وكذلك في حمايتها من آثار التمييز السلبي. 

وعلى العكس من العوائل "المنسية",  وعلى الضد مما يحدث في  مجتمعات أخرى نرى وجهاءً في بلادنا يتنطعون للإحتجاج على المطالبة لهم بالمساواة مع أبناء وبنات أفراد العائلة الخليفية في الحقوق والواجبات.  كأن هذا لم يكن في مقدم المطالب التي طرحها المرحوم عبدالرحمن الباكر وغيره من قادة الحركة الوطنية في منتصف الخمسينيات. وهي مطالبٌ توارثناها من بعدهم جيلاً  بعد جيل, شهيداً بعد شهيد ومنفيا بعد منفي وسجيناً بعد سجين ومصابر بعد مصابر.  وها نحن نرى اليوم وجهاء العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين يستنكرون "ذكر أسماء عوائلهم"  في معرض المطالبة بالمساواة وحقوق المواطنة.  بل ونراهم يعتبرون ذلك تجاوزأً على الكرامة لا يجب السكوت عنه.

تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن بيانات  الإستنكار لا تفوِّت  تأكيد ولاء الموقعين عليها  "للقيادة السياسية في المملكة ممثلة بصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى الذي أتاح لجميع البحرينيين الحرية في طرق أي موضوع من دون المساس بالثوابت الوطنية أو التعدي على العوائل الكريمة في هذه المملكة التي تعايشت مع بعضها البعض ومازالت كذلك باحترام" (أخبار الخليج 14 مارس 2010).  كما لا يفوت صاغة البيانات تأكيد تثليث الولاء ليشمل  الملك وولي العهد ورئيس الوزراء بإعتبار أن "حكم آل خليفة في البحرين سيستمر إلى الأبد".   ولهذا صرتُ على إقتناع بأنهم لولا الخشية ألا يخرج معهم سوى نفر قليل لتنادى  هؤلاء الوجهاء والطامحين إلى الوجاهة إلى مسيرة ينددون فيها  ببدعة "المواطنة الدستورية" وما تستلزمه من حقوق متساوية, أو ليعلنوا إصرارهم على المطالبة بمزيد من التمييز بين الناس.  

لا شك أننا أمام مفارقة محزنة تتمثل في صمت العوائل "المنسية" وفي ضجيج وجهاء العوائل المذكورة.   ولربما إحتجنا إلى العودة إلى مرويات تاريخٍ يمتد إلى أكثر من قرنيْن للتعرف على جذور هذه المفارقة ومكوناتها وتداعياتها علاوة على تجلياتها اليومية.  إلا أنني سأكتفي في هذه الملاحظات بالتذكير بما كتبتُه مراراً عن أهمية الدور الذي يلعبه تراث الممارسة السياسية في بلادنا.  وهو تراثٌ تبلور عبر السنين , كما لا يخفى, عن طريق إستخدام السلطة,  و بفاعلية.  لأداتيْن من أقدم أدوات ممارستها لسلطاتها, ألا وهما  إحتكارها لتوزيع الريع  وخبرتها الواسعة في تشطير المجتمع.  

يضع تراث الممارسة السياسية وما يستند عليه من موروث تختزله ثنائية "الفتح/الغزو" عدداً من المحددات والحواصر التي لا تتيح أن نتوقع من احدٍ أن يصيغ بياناً بإسم عوائل أو أجزاء من عوائل التي تعلن أن "المواطنة المتساوية" مثلها مثل :الديمقراطية" و"تعدد الأحزاب" ناهيك عن "تداول السلطة" هي بديهيات لا بد من التسليم بها كي تكون الدولة ديمقراطية ودستورية.  بل لا بد من تلك البديهيات لكي ننجز بناء الدولة ولكي تكون الدولة دولة حقاً وليست مجرد مزرعة.  ولا يقلل من الحاجة إلى التسليم بتلك البديهيات مطر المكرمات الذي ينهمر على وجهاء الحركة السياسية بين الحين والآخر.  وبطبيعة الحال لا تلغيها, كما رأينا,  المقايضات الدورية بين أطراف العملية السياسة في البلاد.   

وفي المقابل فإن تراث الممارسة السياسية في بلادنا  وما يستند عليه من موروث "الغزو/الفتح"  يضع محفزِّات ودوافع تستلزم أن يتدافع الوجهاء في منافقة السلطة بما في ذلك إصدار بيانات ألتأييد التي ترضيها وكلما دعت الحاجة.  ولهذا لا يجد المتابعُ هذه الأيام غرابةً في أن تتوالى بيانات التنديد حاملة  تواقيع أفرادٍ ينتمون إلى  نفس العوائل التي دعت الوفاق إلى عدم التمييز ضدهم.   بل هي أكدَّت  أهليتهم لتولي المناصب العامة مثلهم في لك غيرهم من المواطنين في ظل دولة دستورية.  فهذه, كما قلتُ, هي إحدى المفارقات المحزنة التي لا يمكن فهمها إلا في إطار ذلك التراث الذي يعتمد بقاؤُه على قوة سيف المعز وعلى بريق ذهبه. 

لا بد لي من التأكيد على إنني لا أجد منكراً في إصدار البيانات إستنكاراً أو تنديداً بهذا الطرف السياسي  أو تأييداً أو لإعلان  الولاء لذلك الطرف السياسي. فإصدار البيانات وجهٌ من وجوه حرية التعبير التي لا بد من التأكيد عليها. إلا أن  ضجة بيانات العوائل التي نشهدها هذه الأيام  لا تهدف إلى الدفاع عن "حق تلك العوائل في عدم الرغبة في المساواة" أو الدفاع عن "حقها في عدم تولي المناصب العامة".  بل هي ضجة ترتبط  بإنزعاج رسمي وبخاصة لدى رئيس الوزراء شخصياً من المطالبة تصريحاً أو تلميحاً بإزاحته.

لا شك في أن الشيخ سلمان أزعج بعض أطراف السلطة  وفي مقدمهم رئيس الوزراء حين أثار في خطبة له أمام  المؤتمر العام السنوي لجمعية الوفاق الإسلامية  المنعقد بتاريخ 18 فبراير الماضي  موضوع  "تداول السلطة.  ولقد رأينا مثل هذا الإنزعاج في سنوات سابقة ورأينا كيف ما نتج عنه من إجراءات وعقوبات. إلا إن  للضجة الحالية طابع آخر وحيثيات آخرى ونتائج أخرى.

تبدو الضجة الحالية لمتابعيها من بعيد, كما هو حالي, وهي تُدار مثل إدارة ردات فعل على محاولة فاشلة لقلب نطام الحكم.  فإن لم تكن محاولة إنقلاب فلابد أن  الضجة سببها إقتناع أهل الحكم بوجود عائلات بحرينية  بعينها  تعد العدة للإطاحة بالحكم أو على الأقل للحلول محل العائلة الخليفية في حكم البلاد.  وإلا لماذا يسارع وجهاء من مختلف الألوان إلى تبرئة عوائلهم من تهمة لم يوجهها لها أحد؟  فلا تشي الضجة بتفاصيلها عن إن سببها الحقيقي هو الإنزعاج الرسمي من بيان أصدرته جمعية الوفاق تدافع فيه أمينها العام. ومعلومٌ أن ذلك البيان أزعج بعض أطراف السلطة  وفي مقدمهم رئيس الوزراء حين لم يتراجع عما أثاره أمين عام الوفاق  في خطبة له أمام  المؤتمر  العام السنوي لجمعية الوفاق الإسلامية  المنعقد بتاريخ 18 فبراير الماضي.

ففي تلك الخطبة أثار  الشيخ علي سلمان مسألة التداول السلمي للسلطة  داعياً إلى أن يكون رئيس الوزراء من أبناء الشعب وليس بالضرورة أن يكون من العائلة الحاكمة.  وأشار في ذلك السياق إلى أن لجمعيته أهدافاً كبيرة نسعى لتحقيقها. وتشمل هذه الأهداف " إنجاز مهمة بناء الحكم الصالح بما يتضمن من وجود حكومة كقوة ومسائلة خاضعة لاختيار الأمة، ووجود ومساواة حقيقية بين المواطنين في الحقوق والواجبات على أساس من المواطنة وحدها وبناء دولة المؤسسات والقانون، وتحقيق العدالة بين الناس."  إلا أنه أكد أيضاً أن العقبات التي تعيق الوصول إلى تلك الأهداف كبيرة. ولهذا سعى االشيخ علي لتأكيد واقعية الرؤية السياسية التي يستند إليه خطابه عبن طريق تأكيد أن البحرين قد لا تستطيع أن تكون السباقة في هذا المجال. فرغم أن الهدف هو "إصلاح النظام السياسي وصولاً إلى ملكية دستورية حقيقية يكون المُلكُ فيهما "لآل خليفة"، ويكون الحكم فيها للشعب عبر حكومة منتخبة وتداول سلمي للسلطة التنفيذية في ظل حرية تشكيل الأحزاب وحرية الرأي" إلا أن هذا, حسبما أخبر الشيخ سلمان سامعيه قد ينتظر. فهو "مسارٌ لم ينجز في أي دولة عربية كما يجب حتى الآن".

تنسجم هذه الصياغة المُرجئة بما فيها من تحدٍ وتهيب في الوقت نفسه مع النهج المزدوج الذي رسّخه الشيخ عيسى قاسم بعد أن آل إليه أمر قيادة التيار الديني الشيعي غداة التصويت على الميثاق في العام 2001. فلقد تبنى قاسمُ  نهجاً يسعى للتوفيق بين نقيضين سادا وتنافرا في عقود سابقة وبخاصة في أثناء المواجهات التي شهدتها التسعينيات من القرن الماضي.  فمن جهة هناك النهج البراغماتي الي تبناه المرحوم الشيخ سليمان المدني مما أهَّله إلى أن يكون قريباً من السلطة التي إستخدمته وسيطاً متعدد الأدوار. ومعلومٌ أن الشيخ المدني  رحمه الله  كان يعتز بمكانته كوسيطٍ  مقبولٍ  لدى السلطة تمتد منافعه لتشمل توفير الخدمات والوظائف والسكن ونسهيل غيرها  من الأمور المعيشية علاوة على ما يتعلق بالأمن وتأمين الإستقرار في مناطق نفوذّه. ومن جهة أخرى  هناك النهج المعارض الذي سلكه المرحوم الشيخ عبدالأمير الجمري. وهو نهج جعله أحد أبرز قيادات الحركة الدستورية التي دشنت إنتفاضة التسعينيات والتي أوصلت, بدورها, النظام إلى طريق مسدود لا مخرج منه سوى تقديم الوعود بإصلاحات دستورية سياسية ومؤسساتية. ومعلومٌ أن  ذلك الدور القيادي  قد جرّ على المرحوم الشيخ الجمري غضب السلطة فلاقى  من عسِفها ما لم يلاقِه أيٌ من قادة الحركات المعارضة منذ الخمسينيات.

أقول جاءت صياغة خطبة الشيخ سلمان منسجمة مع النهج القاسمي.   ففيها ترتفع نبرة الصوت بكلمات ترضي جمهوراً يستذكر وقفات المرحوم الشيخ الجمري وخاصة ونحن على عتبة إنتخابات برلمانية قادمة. وفيها أيضاً   لطفٌ يخفف من وطأة الكلمات ويضمن ألا تثير قلق السلطة حتى وإن سببت أزعاجاً لهذا الطرف فيها أو ذاك.  فجاءت الخطبة تعبيراً عن مجمل النهج المتسيد في صفوف المعارضة منذ الوصول إلى تفاهمات 2005 التي مهدت إلى تراجع الوفاق عن رفضها المشاركة في الهيئات الدستورية التي قامت على أساس دستور 2002.  فصارت السلطة التي كانت تمسح من على الجدران إسم  الشيخ الجمري لا تجد غضاضة في ترتفع لخليفته في قيادة التيار لافتات تقول "الأمر لك".

نعم لقد أثار خطاب الشيخ على سلمان خطابه ردود فعل تصدرتها الضجة المستنكرة التي إحتلت صفحات الجرائد وبقية أجهزة الإعلام الرسمية  وبين  ترحيبٍ مَخفيٍ أو مُخفى لم يجد طريقاً إلى الواجهة. وكان أول الغيث هو البيان الصادر عن مجلس الوزراء (الوسط 22 فبراير 2010)  والذي حذر فيه "من تمادي وتجاوز البعض في الخطاب السياسي بالشكل الذي يسيء إلى ميثاق العمل الوطني والدستور ويسيء إلى مكونات المجتمع البحريني القائم على تلاحم المجتمع في فئاته كافة".  وفي نفس الوقت الذي أهاب البيان فيه "بالجميع الالتزام بالحوار الهادف المستمد من قيمنا ومبادئنا الاجتماعية والحريص على تماسك المجتمع وتلاحمه", أعلن إستكار مجلس الوزراء ما حصل في مؤتمر جمعية الوفاق من "تجاوزات وإساءات تمس الأشخاص والعوائل، كما تضمنت طرح إساءات لنظام المملكة ودستورها وشكل نظام الحكم". كما أعاد البيان الوزاري التذكير بالتوجيهات الملكية  المتكررة "بالابتعاد عن الإساءات إلى الأشخاص والعوائل حفاظاً على تلاحم المجتمع البحريني والمودة بين جميع فئاته".

لا أجد تفسيراً منطقياً للغضب الرسمي  الذي عكسته نبرة بيان مجلس الوزراء وتناقض لغته. ففي الوقت الذي يدعو الناس إلى الحوار الهادف  فهو يشعل حرباً إعلامية لم تنته حتى الآن لمجرد أن نائبا, ورئيس جمعية معترف بها, قال أنه مع "تداول السلطة".  إلا أن الأدهى  أن كثيرين وجدوا  في بيان مجلس الوزراء نفيراً يستدعيهم لتدبيج المقالات الداعمة للموقف الرسمي. وبطبيعة الحال إنتشرت تلك المقالات وما تزال في جميع الصحف المحلية وبقية أجهزة الإعلام الرسمي.   

في غياب أسس موضوعية لتفسير عقلاني للضجة الإعلامية التي تثيرها السلطة منذ إنعقاد مؤتمر الوفاق فلا مفر من التكهنات. وسوف أعرض لبعضها. فلقد كتبت   الأستاذة لميس ضيف (الوقت 9 مارس 2010)  أن هناك من يقول "إن الحكومة لربما تخشى دخول وجوه ليبرالية مستقلة لا يؤمن عقباها؛ فقررت تعزيز موقف الوفاق الإسلامية لتظل -هي- من يحتكر تمثيل الشارع الشيعي تماماً كما تعزز مكانة التيارات السنية المتشددة لتكون هي الممثل الأوحد للطائفة السنية؛ النظام في البلاد لا يريد معارضة غير أسلامية؛ وغير متمترسة خلف المذهب؛ لذا ربما أراد إعطاء الوفاق «قبلة الحياة» بعد قراءة تراجع حظوظها الشعبية".

أما الأستاذة سوسن الشاعر (الوطن, 11 مارس 2010)فتعرض تكهناً آخر, وربما مضاداً,  حين تشير إلى أن هناك ما تسميه "حصان طروادة" داخل الوفاق. فاللعبة حسبما تقول الشاعر "أكبر من أي من اللاعبين الذين يظهرون على السطح". وعليه يعمل ذلك الحصان المندس في الوفاق إلى أن يربك الوفاق وتحريك خيوطها بعد أن ساءه إعلان الوفاق أنها ستستمر وستشارك وستنزل الانتخابات  لإقتناعها بأن في مشاركتها "مكسب سياسي للبحرين كلها يحقق الاستقرار الأمني والسياسي ويخدم الدولة والمجتمع  ويخدم قواعد الوفاق الشعبية، ويحقق لهم من المكاسب المعيشية أكثر بكثير مما يتحقق بوجود الوفاق خارج ذلك الإطار". وفي إشارة الشاعر إلى حصان طروادة ما يفسر " الشرر الذي تشعله الوفاق المرة تلو المرة وبتلاحق لا يترك فرصة لالتقاط الأنفاس يسعى لإخراج الأمور عن السيطرة، وسواء كان الأمر مصادفة أو بتخطيط فإن الوفاق بدأت تترك الخيوط تخرج من يدها وكأنها لا تملك إلا أن تتعامل مع ردود الفعل دون مبادرة منها لفعل أمر يمنع هذا التداعي المتسارع".  

من جهته يرى الأستاذ عباس المرشد في مقاله المشار إليه لوقت,4 مارس 2010) أن الضجة المثارة حول خطاب الشيخ علي سلمان وما تلاها ترسم مساراً صحياً  و"على جمعية الوفاق أن تنظر إليه على أنه إنجاز يتصل وثيقاً بــالقــدرة على إدارة حــوار ســياسي صافٍ – ولو بأشكال مختلفة – ظل مستبعداً طيلة فترة طويلة، وعلى الحكومة أيضاً أن تقبل بمخرجات الديمقراطية الناشئة، وأن تسمح للأحلام والرؤى بالتعبير عن نفسها مادام الأمر سلمياً. وبالتالي فإن الاستثمار الإيجابي لمثل هذه الأزمات يجب أن يكون لصالح خلق حوار سياسي يبعد شبح العنف والتوتر الأمني عن المجتمع".

أقول تتعدد التكهنات والتعليقات  بتعدد المعلقين والمتكهنين,   وبدون التقليل من أهميتها جميعاً لم أجد فيما قرأتُ منها ما يخرج عن مرامي ما كتبه كلٌ من االمرشد والشاعر وضيف.  لهذا تبقى الأسئلة بدون إجابات حتى الآن.  هل إستغلت أطرافٌ في السلطة , كما نستشف من تعليق المرشد,  خطاب الشيخ سلمان لإثارة أزمة مع الوفاق؟ ومع إنه لا يتوقع أن تطول هذه الأزمة فإن مردودها الإيجابي يمتثل في إثارة نقاش بين السلطة والوفاق يؤسس "لاختلاف سياسي صافٍ لا تكون كلفته كلفة أمنية". أم هل هي "مؤامرة حكومية" لتسويق إستمرار الوفاق ممثلاً للمعارضة كما جاء في مقالة ضيف؟ ويندرج تحت هذ السؤال أسئلة أخرى من قبيل هل تخشى الحكومة حقاً  "دخول وجوه ليبرالية مستقلة"؟ وهل أوصلتها خشيتها من الليبراليين المستقلين إلى حد  السعي إلى " تعزيز موقف الوفاق الإسلامية لتظل -هي- من يحتكر تمثيل الشارع الشيعي تماماً كما تعزز مكانة التيارات السنية المتشددة لتكون هي الممثل الأوحد للطائفة السنية"؟ أم  أن أساس الضجة نفسها , أي ما جاء في خطبة الشيخ سلمان هو,  كما تقترح الشاعر,  دسيسة دسّها متطرفون مندسون  في الوفاق بهدف إرباكها وتحريك خيوطها؟  أم إنها  كما يشير بيان الوفاق بتاريخ 12 مارس  "حملة آثمة" تأمل الجمعية أن يقوم عقلاء السلطة  بإسكاتها؟ ا.

لم يكتفِ البيان المذكور بالتمني على المعنيين في السلطة إيقاف "الحملة الظالمة", بل أضاف محذراً,  في حال إستمرارها,   فإن الوفاق  ستأخذ الأمر بعيداً إعتماداً على من تسميهم  المحبين  للخير والمخلصين لوطنهم "سنة وشيعة, علمانيين وإسلاميين"؟.  ولا  يخفى على اللبيب واللبيبة  أن هذه العبارة حمالة اوجه. وسأهتم  هنا بوجهيْن. أولهما في صيغة أسئلة عن  قدرة الوفاق, أو قل عزمها, على تصعيد مضاد لتصعيد السلطة؟  وهل يتيخ للوفاق "غطاؤها الشرعي" أن تدخل في تكتيكات التصعيد التي  لا مفر من أن تؤدي إلى مواجهة مع السلطة؟ بل وهل ستتماسك الوفاق في ظل مواجهة جدية؟  وثانيهما يتعلق بالإشارة إلى إعتماد الوفاق على دورٍ محتمل للعلمانيين في حال تطورت الأمور إلى الأسوأ بين الوفاق وبين السلطة. فلا يخفى أن في هذا ترفيع غير معتاد للعلمانيين بوضعهم في مصاف الإسلاميين, بل ومن ضمن "محبي الخير والمخلصين لوطنهم".   أسارع إلى التأكيد على إنني أري في هذا تطورأ إيجابياً  بعد خمس سنوات من تهميش دور القوى العلمانية في حركة المعارضة.  وهو تطورٌ, إن صدق وإستمر,  فسيشكل تخلياً علنياً عن موقف تشطيري تمثلت  أحدى تجلياته في هتاف "تسقط العلمانية" الذي رفعه الشيخ عيسى قاسم قبل ثلاث سنوات وردده المصلون من خلفه.

بقية هذه الملاحظات ستأتي  في الجزء التالي من هذا المقال